نحن ننضج بمرور الأوغاد - بقلم حسام السعيد عامر

نحن ننضج بمرور الأوغاد - بقلم حسام السعيد عامر

 بعد أن رأيت بأم عيني الفشل المزري الذي حققته هوجة يناير (ثورة يناير)، وتسببها في مزيد من التردي للأسوأ، تيقنت أن الاعتماد على الشعب المصري في تحقيق أي تغييرات سياسية، هو رهان فاشل، أعلم ان كلامي مزعج ومفجع ولكن لنتناقش قليلا بالعقل.

هل تتذكرون الثمانية عشر يوماً، بالتأكيد تتذكرون هتاف الجماهير بأعلى صوت "الشعب يريد اسقاط النظام"، بمجرد أن تنحى مبارك رأينا ان أغلب الثائرين اقتنعوا بأنهم نجحوا في تغيير النظام، وغادروا الميادين مخلفين ورائهم أقلية منبوذة ظلت تتابع اعتصامها مطالبة برحيل رجال النظام، وتشكيل مجلس رئاسي مدني مشترك من كافة القوى السياسية المدنية في مصر.

نحن ننضج بمرور الأوغاد - بقلم حسام السعيد عامر
نحن ننضج بمرور الأوغاد

 ................................................................

 إذكر لي شخصية سياسية أو أي جماعة سياسية داخل مصر، رفضت الحوار مع مجلس مبارك العسكري، تسابق الجميع على الارتماء في احضان العسكر، حتى من كانوا يمثلون علينا انهم رافضين للعسكر لم تكن مطالبهم جدية، البعض دعا لمظاهرات للضغط على العسكر فقط للاسراع في تسليم السلطة، أو دعا لمظاهرات هدفها تقليل بعض صلاحيات العسكر.
وبمجرد استجابة العسكر للضغوط، تنتهي ثورية هؤلاء الأفاقين، ويجلسون مجدداً على طاولة الحوار مع عسكر مبارك، طبعا بإمكانك أن تستنكر كلامي كما تشاء، لكن لكي ألقم كل منكر للحقيقة حجراً يخرسه، لذا سأسأل سؤال محدد، هل استمرت أي قوة في الميادين بعد يوم 11 فبراير وأصرت على رحيل كل رجال مبارك؟ فبهت الذي أنكر الحق.

من البديهي ان كل من لديه أقل قدر من العلم، أو الثقافة، أو الفهم، يعلم ان مفتاح نجاح أي ثورة هو هروب الحاكم وأعوانه، ثم يقوم المجتمع بإعادة بناء مؤسسات الدولة، وهذا لم يحدث في مصر، ما حدث هو ان مبارك تنحى عن الحكم، وكلف مجلسه العسكري بالحكم، وتنافست كل القوى السياسية والثورية، على الارتماء في أحضان اتباع الحاكم المتنحي، بلاش (الارتماء في أحضان) علشان بتزعلكم، خلينا نقول ان القوى السياسية كلها، لم يكن لديها مانع في الحوار مع مجلس عسكر مبارك، والنقاش في مسألة ترتيبات تسليم الحكم، بعد اجراء انتخابات يشرف عليها هؤلاء العسكر، مبسوط من الصياغة دي.
حتى مع تلطيف الألفاظ يظل واقع الأمر مفجع ومأساوي وكارثي.
كل من لديه أقل قدر من العقل يدرك ان أهم سبب لفشل يناير، هو الثوريين والسياسيين الأوغاد، ومعهم الأغلبية الشعبية، التي سارت كالنعاج خلف هؤلاء الأوغاد، كل هؤلاء الأوغاد بلا استثناء هم من ساهموا بشكل ما في نضجي سياسيا وفكرياً، ولله در من قال ـ(نحن ننضج بمرور الأوغاد)ـ.


وحتى لا أظل سابحاً في بحر أوهام التغيير بقوة الشعب، لهذا سأقر وأعترف بأن الاعتماد على الشعب لإحداث تغيير هو أمر بيد الله، لا بيدي، لقد قضيت ردحاً من الزمن، أسعى جاهداً لتوعية الشعب وتثويره، وتمنيت ان ننجح في بناء دولة عادلة محترمة، ولكن كما قال الشاعر المتنبي في بيته الشهير.
مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ **** تَجْري الرّيَاحٌ بمَا لَا تَشْتَهي السَّفَنُ

المهازل التي حدثت في مصر بعد يناير 2011م إلى يومنا هذا
، جعلتني أسأل نفسي سؤال في غاية الأهمية، هل ابتلى الله الشعب المصري بهذه المنظومة الشيطانية الحاكمة، أم اننا نستحق ما يحدث لنا؟، بالطبع يستحيل عقلاً أن نكون كلنا صالحون وأننا نتعرض لابتلاء، ان الله لا يبتلي إلا العبد الصالح، وليس كل عبد صالح يتعرض للابتلاء، بل بعض الصالحين يتعرضون للابتلاء، أعلم ان كل صاحب عقل وفهم رزين يدرك ان ما نعانيه ليس ابتلاء بل عقاب إلهي، مصداقاً لقوله عز وجل ـ﴿كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِینَةٌ﴾ـ.
نحن شعب نتعرض لعقاب إلهي، الأمر واضح وضوح الشمس ولا حاجة للإنكار.

الآن أنا أعلم السبب في استمرار بقاء منظومة الفساد والاجرام، وتمكنها التام من رقابنا، فصرت أتقبل الأمر الواقع بضجر، صرت أتفهم أن الحياة كبد ومعاناة، ومن الخبل أن أظل حالماً بينما أنا أعيش في كابوس مرير، مناطحة السحاب وحرث البحر خطأ كبير مارسته لسنوات طويلة، متمنياً النجاح في إصلاح الحال. تبين لي بعد لأي وجهد عظيمين مدى غبائي وقصر نظري، عندما غفلت عن قوله عز وجل ـ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ـ.
لقد آتاهم الله الملك ليعاقبنا على فسادنا

ولكن تقبلي للأمر الواقع لا يعني أن أوافق على الفساد والإجرام، تقبل قضاء الله شيء، والتعايش معه شيء آخر، كيف أتعايش مع منظومة تدمر حياة الناس وتفسد في الأرض، وتقهر المواطنين، هنا لابد لي من الاقرار ببعض الملاحظات العامة على انظمة الحكم في العالم.
أتفهم ان جميع أنظمة الحكم، في كل زمان ومكان تتربح وتستفيد من سلطتها، ذلك شيء طبيعي ويتماشى مع الفطرة الانسانية، لأن ابن آدم لا يملأ عينه إلا التراب
، وطبيعي أن نشاهد عشق ابن آدم للتملك والتفرد والثروات والافساد في الأرض، وكل نزعات النفس الانسانية الغير سوية، رغم رفضي لكل ما سبق، لكن هذا للأسف هو الواقع الذي لا أستطيع إنكاره.

لكن الاستحواذ التام على مجمل الثروات وتبديدها، وإفقار وإذلال الشعب بأكمله، وتدمير اقتصاد الدولة، تلك لعمري جريمة تتجاوز جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل، اسرقوا بعض المال يا ملاعين، استفيدوا من سلطاتكم كما تشائون، وعند الله تجتمع الخصوم، لكن افعلوا ذلك بعقل وحكمة كما يفعل أغلب حكام العالم.
تعلموا من حكام الدول الغربية، بالتأكيد هم فاسدون، ويستفيدون من سلطاتهم وينهبون، لكنهم يفعلون جرمهم بعقلانية، كي تظل دولهم على قيد الحياة. تعلموا من حكام الخليج، لديهم ثروات خاصة تقدر بمليارات، لكن اقتصادهم مستمر، والعدل في دولهم لم يندثر
، وحضارتهم تتقدم للأمام، وحكامهم يداومون على فعل الخير بإغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين والمعسرين، ودولهم لا يعاني ابنائها من الفقر المدقع كما يحدث عندنا في مصر.

في رأي الشخصي، أعتقد ان الشعوب تستطيع ان تتعايش مع حاكم يسرق ما بين 10% الى 20% من ناتج الدولة القومي، لكن نهب أكثر من نصف ثروات البلد، خاصة وان عدد سكانها كبير كما في حالة دولتنا مصر، فهذا جرم جسيم.
الأوضاع الاقتصادية في مصر لا تتحمل نسبة فوق نسبة ال 10%  من النهب، عددنا فوق المائة مليون نسمة
، ولهذا أي نهب أكثر من عشرة في المائة، معناه أن هناك ملايين ستعاني من الجوع دون ان تجد قوت يومها، وهناك ملايين لن يجدوا خدمات أساسية، كالتعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي الخ الخ..
نعم أنا أتقبل وجودكم كطغمة حاكمة فاسدة، عاقبنا الله بها، لكن لا أوافق أبدا على شططكم في نهب الدولة وتدمير اقتصادها. وأيضا أرفض منهجكم القذر في تدمير شخصية الانسان وتدمير القيم والأخلاق الانسانية الفطرية، ونشر ثقافة الخنا والقوادة عبر ما يذيعه إعلامكم اللعين، ولكن تلك قصة أخرى تحتاج لسرد منفصل.
وفي النهاية كما ترون أيها القراء الكرام أننا بالفعل ننضج بمرور الأوغاد، وشخصياً أعتقد انه لا يوجد أي أمل سوى الأمل في الله
، الذي لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.


اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا

وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

اللهم مزق ملك المفسدين وإجعلهم عبرة لخلقك أجمعين

حسام السعيد عامر

فجر يوم 25/01/2019

Share شارك المقال مع أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...