الديمقراطية سلطة الشعب 1

لا يمر يوم في حياتنا إلا وتولد ظاهرة أو تحدث واقعة او موقف ما يثير في نفوس العقلاء الكثير من المخاوف على مستقبل هذا الوطن أو ذاك البلد، ولكي نصبح عقلانيين وموضوعيين فالواجب يحتم علينا البحث والتنقيب عن الأسباب التي أدت لولادة هذه الظاهرة أو لحدوث تلك الواقعة وعلاج الاسباب هو الذي سيجتث تلك الظواهر والأحداث والمواقف من جذورها

ولأنني مواطن مصري لهذا سأتكلم عن ما يحدث في بلدي مصر وإن كان لا يختلف كثيراً عن ما يحدث في باقي الدول العربية، على سبيل المثال ظاهرة إنتشار العنف بين أفراد الشعب في تعاملاتهم اليومية البسيطة، وظاهرة كراهية الآخر ومعاداته وتشويه معتقداته دون وجه حق وهذا ما يقوم به غلاة الأقباط والمسلمين وهناك قس مشهور يقود جوقة من القساوسة في حملة هجوم وتشويه مبتذل وظالم ومزور للدين الإسلامي ولنبي المسلمين، وأيضا هناك العديد من رجال الدين والأمن والسياسيين المسلمين الذين تكن قلوبهم حقداً وكراهية وتنز ألسنتهم قيحاً لتشويه وللهجوم على الديانة المسيحية وعلى تعاليمها وعقيدتها

أضف لما سبق تنامي ظاهرة الإعتداء على الكنائس الجديدة التي يقوم الأقباط ببنائها وممارسة شعائرهم فيها دون أن يحصلوا على ترخيص بإفتتاح هذه الكنائس الجديدة التي غالبا ما تكون في منزل أحد القساوسة والذي في الأغلب الأعم قد فشل في إستخراج تصريح لكنيسته بحسب القوانين واللوائح المطبقة في مصر والتي يعود بعضها للقرن قبل الماضي والتي صدرت في دولة الخلافة العثمانية، ومن عجيب أمرنا أنه لا توجد اليوم دولة بهذا الإسم حيث تحولت تركيا منذ حوالي قرن للعلمانية ومن ثم تخلصت الدول العربية ومعها مصر من سيطرة الخلافة العثمانية التي لم يعد لها اليوم أي أثر ومع ذلك يصر الغلاة والمتطرفين من السياسيين ورجال الأمن المسلمين في التضييق على الأقباط بحجة هي أوهى وأوهن من خيوط وبيوت العنكبوت

ظاهرة أخرى منتشرة منذ سنوات طويلة ألا وهي ظاهرة بناء الكنائس الجديدة التي يصدر لها ترخيص على شكل قلاع حصينة وهذا ما لا يحدث في اي دولة أخرى بخلاف مصر فلم يسبق أن رأيت كنيسة أمريكية أو ألمانية أو إنجليزية مبنية بهذا الكم من الخرسانة المسلحة والتي تشبه في تصميمها قلاع وحصون العصور الوسطى، ونظرة متفحصة على الكنائس المصرية المبنية على مدار التاريخ القبطي في مصر تأكد للباحث عن الحقيقة أن هذا الطراز من الكنائس القلاعية مستحدث ولم يسبق أن بنيت به كنيسة أو إبراشية أو دير إلا في عصرنا الحالي وهذه الظاهرة ربما تكون هي السبب في إثارة مشاعر التوجس في قلوب السياسيين ورجال الأمن

ظاهرة أخرى على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية الا وهي ظاهرة منع الأقليات كالأقباط في مصر من تولى المناصب القيادية في معظم الوزارات السيادية كالعدل والداخلية والدفاع، فلم نرى قائد سلاح أو قائد منطقة عسكرية أو وزير دفاع قبطي ولم نرى وزير عدل قبطي ولم نسمع عن تولية أي قبطي لأي إدارة من إدارات وزارة الداخلية كإدارة المباحث العامة أو البحث الجنائي أو الأحوال المدنية أو المرور أو حتى شرطة السياحة، وكذلك لم نسمع يوماً عن تولي قبطي لرئاسة مباحث أمن الدولة أو المخابرات العامة أو الحربية

ولم تقتصر الظواهر العدائية على المسلمين والأقباط لإن الكراهية والحقد نيران عاتية عندما تولد شرارتها في قلوب المواطنين فإنها تأكل الأخضر واليابس في عقول وقلوب سكان الوطن لذلك ستجد أيضاً بعض الظواهر المشابهة تجاه الشيعة والبهائيين والملحدين

حادث حرق منازل البهائيين في إحدى قرى سوهاج بصعيد مصر هو أبلغ دليل على مدى إنتشار وتوغل الفكر الطائفي العنصري في قلوب وعقول المواطنين البسطاء الذين يسهل قيادتهم ويسهل تحريكهم بمجرد أن تعطي لهم الضوء الأخضر بالإعتداء والقتل والحرق والتدمير والذبح وهذا مع حدث مع البهائيين وهو بالضبط ما يحدث مع المسيحيين الذين يمارسون شعائرهم في كنيسة لم تحصل على ترخيص وكأن المسيحي لابد أن يتوقف عن التعبد مالم يحصل على الإذن من الدولة

حادثة إعتقال الشيخ حسن شحاتة خطيب مسجد الجامعة وإعتقال بعض الشيعة المصريين معه وتعذيبهم بوحشية داخل أقبية وسراديب أمن الدولة الذين حاولوا تلفيق قضية وهمية للشيخ حسن شحاتة ومن معه بأن زعموا بأنه يتلقى تمويلاً من إيران، الحقيقة هي ان السبب الرئيسي لإعتقال الشيخ حسن شحاته وتعذيبه هو لانه إنتقد معاوية بن أبي سفيان على منبر المسجد علانية مما أثار حفيظة بعض المحامين من أتباع المذهب السلفي المعاويجي فتقدموا ضد الشيخ ببلاغ وبدلاً من ان يردوا على الفكر بفكر قرروا أن يصادروا ويحاكموا صاحب الفكر كدأب كل السلفيين على مر العصور، هل وصل بنا الحال أن نعتقل رجل لمجرد سبه لحاكم فاسد وظالم كمعاوية، اعرف أن الكثير من بلهاء المسلمين يؤمنون بان معاوية هو كاتب الوحي بحسب مزاعم وتدليس وتزييف شيوخ السلفيين، العجيب هو أنك لا تجد مسلم واحد يراجع نفسه ويتذكر أن الوحي إكتمل تماماً قبل أن يدخل معاوية في الإسلام كرهاً وهو الذي هرب عند فتح مكة فكيف يكون عدو النبي هو كاتب الوحي بعد ان انتهى نزول الوحي بخطبة الوداع التي لم يسلم معاوية إلا بعدها بايام كثيرة بحسب ما اجمعت عليه كتب الاثر والتاريخ

وعلى الجانب الآخر من قضية إضطهاد الشيعة في مصر فها نحن قد رأينا وسمعنا تصريحات للعديد من السياسيين والمسئولين الأمنيين في مصر صرحوا بأنه لا توجد في مصر مساجد للشيعة وأنه لن يسمح للشيعة المصريين ببناء مساجد، إن مثل هذه التصريحات لا تصدر سوى عن مهوس موتور لا يصلح للجلوس في أي منصب حكومي لأنه بكل بساطة يفضح النظام الحاكم بأكمله بدايةً من مبارك وإنتهاء بأصغر موظف في مصر، أليس الشيعة مسلمون موحدون بالله ومؤمنون برسالة النبي محمد، أليس الشيعة بشر من حقهم أن يمارسوا معتقداتهم وصلواتهم بالكيفية التي يرونها، أليس الشيعة والأقباط والبهائيين والملحدين مواطنون مصريون لهم الحق في وطنهم كباقي المصريين ولهم الحق في حرية الإعتقاد والرأي بحسب مواد الدستور الذي لا يطبق إلا مواده التي تتيح للحاكم القبض على كرسي الحكم بكل ما أوتي من قوة، من الواضح ان الفكر السلفي قد نجح في غفلة منا من السيطرة على عقول الجهلة والبلهاء من المواطنين المصريين ودفعهم لكراهية كل من يخالفهم في الرأي والفكر والمذهب كدأب السلفيين والوهابيين الرافضين لكل من يخالف مذهبهم العنصري الفاسد

ودون الخوض في افكار السلفيين والتي برغم وضوح تزييفها ومخالفتها للحقائق إلا إنها تسيطر على عقول الشعب المصري، وهذا الأفكار السلفية التي تدعو لقتل البهائي وحرق منزله وتعذيب الشيعي في أمن الدولة ولذبح القبطي وهدم كنيسته وفي نفس الوقت هذه الأفكار تتسامح وتداهن الحاكم أي حاكم حتى لو كان كافراً بكل المقدسات ومؤمنا بإلوهيته وفرعونيته وتفرده وفي نفس الوقت هذه الأفكار لا تستنكر سرقة ثروات الوطن ولا تستنكر إستبداد الحاكم ولا تستنكر قمع وتعذيب المعارضين ولا تستنكر إستفحال ظاهرة تعذيب المواطن البسيط داخل أقسام الشرطة التي يتدرب فيها الضباط على التعذيب توطئه لإنضمامهم للإدارة العامة للتعذيب المنهجي المسماة بامن الدولة والمنوط بها حماية مبارك وأسرته وأفراد عصابته وفي نفس الوقت أمن الدولة هم المسئولين عن إيذاء وتعذيب وإعتقال المعارضين السياسيين والأقباط والشيعة والبهائيين وكل من لا يؤمن بإلوهية مبارك وولده وأسرته

هذه الظواهر والأحداث تولد وتنمو وتنتشر فقط في المجتمع الذي لا توجد به شورى ولا توجد به ديمقراطية، عندما يعجز المواطنين عن تقويم حكامهم ومسائلتهم وتغييرهم، وعندما يعجز العقلاء عن توعية المواطنين نظراً لسيطرة الموتورين على الاجهزة الإعلامية، وعندما يفشل المواطن في إدراك أن له حقاً كما لغيره حقاً في الوطن وعندما يعجز السلفي عن أن يدرك ان من حق الشيعي والقبطي والبهائي والملحد أن يحيا في وطنه وأنه ليس وكيلاً عن الله في محاسبة المواطنين على معتقداتهم وأفكارهم، لذلك الأمل والسبيل الوحيد لتحقيق المساواة والمواطنة هو بتحقيق الديمقراطية
وللحديث بقية
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك تعليق واحد:

  1. عم مرعي بتاع الكلماالخميس, سبتمبر 17, 2009 12:32:00 ص

    فعلا العنصرية انتشرت قوي

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...