فيلم واحد/صفر "شال ولا طرحة أهو كله بيغطي" على معاناة الشعب المصري

غرقت في بحور الأسى خلال مشاهدة فيلم واحد/صفر، "شال ولا طرحة أهو كله بيغطي" على معاناة الشعب المصري

شلال متدفق من الأحاسيس الإنسانية المتناقضة، ينساب من بين مشاهد ولقطات فيلم واحد صفر، الذي نجحت مؤلفته السيناريست مريم نعوم، في باكورة أعمالها السينمائية، في حبك وشبك العديد من الخيوط الدرامية، لتسعة نماذج بشرية، تم رسمها بصدق وواقعية، لشخصيات حقيقية، ربما تكون قد إلتقيتها في يوم من الأيام.

 

فيلم واحد/صفر "شال ولا طرحة أهو كله بيغطي" على معاناة الشعب المصري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تتميز شخصيات فيلم واحد صفر، بأنها تمثل قطاعات متنوعة من طبقات المجتمع، وترسم ما يشبه خريطة بشرية للشعب المصري، ورغم أن هذا هو أول أعمال المؤلفة، إلا إنها بإقتدار وبراعة متناهية، تمكنت من رصد بعض صور المعاناة المعاشة.

 

فيلم واحد/صفر "شال ولا طرحة أهو كله بيغطي" على معاناة الشعب المصري











فيلم واحد صفر يبرهن على أننا بإزاء مشروع كاتبة سيناريو، تتمتع بثقافة مجتمعية شديدة الثراء، ومما هو جدير بالذكر أن سيناريو فيلم واحد صفر قد فاز بجائزة أحسن سيناريو من مؤسسة ساويرس.

 

وعلى الجانب الإخراجي، فقد نجحت المخرجة كاملة أبو ذكرى في تناول نماذج وشخصيات السيناريو بحرفية عالية، وتمكنت المخرجة من الهروب من فخ النماذج النمطية المقولبة، الذي درج مخرجي السينما المصرية على إستخدامه في الأعمال الدرامية.

 

وفي محاولة ذكية من المخرجة لزيادة واقعية الأحداث في الفيلم، لجأت لإستخدام الكاميرا المحمولة، التي ساهمت بشكل كبير في خلق إحساس بالحميمية، بين المتلقي الذي يشاهد الفيلم وبين والشخصيات التي تتحرك أمامه على شاشة العرض.

 

 وكانت النتيجة النهائية هي أن يشعر المشاهد، بأنه يسمع ويرى شخصيات من لحم ودم، عامل آخر ساعد بشكل قوي في تنامي إحساس المشاهد بواقعية أحداث الفيلم، ألا وهو إختيار المؤلفة مريم نعوم لسرد تفاصيل الفيلم خلال أربعة وعشرون ساعة فقط .

 

تدور أحداث الفيلم طوال اليوم، الذي شهدت فيه مصر مباراة منتخبها الوطني لكرة القدم، مع منتخب الكاميرون في نهائي بطولة أفريقيا 2008م، والتي إنتهت بفوز مصر واحد صفر.

 

يناقش الفيلم بالإضافة لتسعة قضايا رئيسية، عدة قضايا فرعية، وينتهي بمشهد يؤكد على أنه رغم فوز مصر في مباراة كرة القدم، إلا أن المحتفلون بالفوز هم جموع المتألمين المهمومين من سكان مصر، الذين يلجأون للرقص والإحتفال فرحاً بهدف فوز كروي، للهروب من واقعهم المؤلم وهمومهم القاسية، وهم في رقصهم أقرب إلى رقص الطيور المذبوحة.

 

 الحبكة الأولى في فيلم واحد صفر، هي حبكة "علي" المراهق المشاغب، تباع الميكروباص الذي يسرق الحشيش من جده (لطفي لبيب)، ويبيعه بسعر زهيد لسائق الميكروباص الذي يعمل معه تباعاً.

 

والحبكة الثانية هي حبكة الجد (لطفي لبيب) ،الذي يتاجر في المخدرات تحت غطاء عمله كسائس للسيارات، أمام أحد الملاهى الليلية، والإثنان الجد والحفيد يعيشان بشكل يشبه حياة المشردين، رغم وجود حجرة يسكنان بها، والعلاقة بين الحفيد والجد في العمق، خلاف ما نراه في ظاهر الأحداث، فرغم غضب الجد من حفيده الشقي الفهلوي ،والذي دأب على سرقه مال الجد ومخدراته، إلا إن الجد يلتاع فزعاً عندما يخبره عسكري الشرطة بأن حفيده صدمته سيارة، ومحجوز بالمستشفى.

 

فيلم واحد/صفر "شال ولا طرحة أهو كله بيغطي" على معاناة الشعب المصري











الحبكة الثالثة هي حكاية ريهام (نيللي كريم)، الممرضة المحجبة، التي تزور زبائنها في المنازل لإعطائهم الحقن، وعندما تذهب إلى مدام نيفين، تخبرها بأنها حامل، ولن تأخذ الحقنة، وتعطيها بعض النقود وهدية، وعندما تعرف ريهام بأن الهدية عبارة عن شيلان وليس طرح، تشكر السيدة القبطية نيفين وتقول "شيلان ولا طرح أهو كله بيغطي".

 

والممرضة ريهام لها أخت إسمها نينا، تعمل مطربة كليبات، وبسببها تتعرض ريهام لمضايقات المجتمع رغم أنها محجبة.

 

الحبكة الرابعة في فيلم واحد صفر هي حبكة شريف ناجي أندراوس (خالد أبو النجا)، مذيع تلفزيوني ناجح رغم غرقه في مستنقع إدمان الخمر، ومتورط في علاقة إنتهازية بسيدة مطلقة.

 

القضية الخامسة نيفين (إلهام شاهين)، السيدة القبطية التي طلبت الطلاق من زوجها، وعانت كثيراً حتى حصلت عليه، ثم رفضت الكنيسة التصريح لها بالزواج، رغم أن نفس الكنيسة أعطت لزوجها تصريح بالزواج، وقد عبرت نيفين عن تعجبها من معاقبة الكنيسة لها على طلبها للطلاق رغم أن قضيتها عادلة، وعندما يخبرها المحامي القبطي بأنه ليس أمامها سوى أن ترفع قضية على الكنيسة، فترفض لأنها تحب الكنيسة وتحترمها، رغم غضبها من الظلم الذي تعرضت له، ويخبرها المحامي بأن هناك حل آخر هو أن تعتنق الإسلام، وترفض نيفين أن تخادع ربها وتغير دينها، لمجرد الرغبة في الزواج.

 

وقد نجحت المؤلفة مريم نعوم، وهي بالمناسبة قبطية، في تسليط الضوء على هم مهم، من الهموم المسكوت عن تناولها درامياً، وطرحت المشكلة بوعي وموضوعية قلما نشاهدهما في أعمالنا الدرامية العربية.

 

فيلم واحد/صفر "شال ولا طرحة أهو كله بيغطي" على معاناة الشعب المصري











الحبكة السادسة عن حكاية نينا (زينة) الفتاة الفقيرة، أخت الممرضة ريهام، تهجر نينا حبيبها عادل، الذي يعمل كوافير سيدات، وتسلم نفسها للمخرج الشهير سليم ذو السطوة الإعلامية، الذي ينجح في فرضها على الجماهير كمطربة كليبات، رغم عدم تمتعها بأي موهبة، سوى العري والبجاحة، وتتعرض نينا لهجوم قاسي من ملحن أثناء تصويرها لبرنامج مع المذيع شريف أندرواس، ثم ترد ببجاحة على الهجوم، ونكتشف كم المعاناة التي تعيشها نينا، التي يكسب الجميع من عريها، بينما هي لا تنال سوى الفتات والتجريح.

 

الحبكة السابعة هي حكاية عادل (أحمد الفيشاوي)، وهو يعمل صنايعي كوافير، و يسرق منتجات التجميل من محل الكوافير الشهير الذي يعمل به، ويخطط لإفتتاح مشروعه الخاص، لكي يحسن من مستواه الإجتماعي، ويتألم من هجر حبيبته نينا.

 

الحبكة الثامنة هي حبكة شخصية أم عادل، (إنتصار) البلانة، التي تمتهن حف ونتف وتجميل النساء، وفي إحدى المرات تصرخ إحدى زبائنها العروسة قائلة "دا بيوجع قوي" وهي تتألم من نزع الشعر من جسدها بإستخدام الحلاوة، ومع إن الجملة تبدو للوهلة الأولى كما لو كانت تحمل معنى جنسي، إلا إنها رغم ذلك ربما كانت تعبر عن صرخة مجتمع يئن من همومه التي توجعه، أم عادل تقوم بتصنيع كريم للبشرة داخل منزلها، وتخدع زبائنها وتبيع الكريم بسعر غالي على إنه منتج أجنبي، ونجحت إنتصار في انتحال دور الأم التي ضحت بشبابها في سبيل تربية إبنها عادل الكوافير، الذي قابل تضحية أمه بجحود وإستخفاف، ولم يدافع عنها عندما إتهمها صاحب الكوافير الذي كان يعمل به في شرفها، مما دفعها للحنق على إبنها، والحنق من نفسها لإنكارها لذاتها دون أن تنال أي تقدير على هذه التضحية، وتصرفت بطيش كادت أن تتحول بسببه لضحية إغتصاب علني داخل إتوبيس عام.

 

الحبكة التاسعة عن سليم (حسين الإمام)، مخرج الكليبات الذي يستغل ظروف الفتيات الفقيرات، ويمارس عمل هو أقرب للقوادة والنخاسة، ويتربح من جسد الفتاة نينا، التي يصور لها الكليبات التي يبيعها للقنوات الفضائية.

 

بالإضافة للقضايا الرئيسية للفيلم، نرى عدة قضايا فرعية، مثل شخصية الطبيب الذي يفضل مشاهدة المباراة ويترك المرضي دون علاج في إستقبال المستشفى، ويشاركه نفس التصرف باقي العاملين والعاملات في المستشفي، وشخصية الضابط الذي تفرغ تماماً لمشاهدة المباراة داخل نقطة الشرطة، ويشاركه الأمناء والجنود في إهمال تأدية الواجب، وشخصيات النساء في المأتم ورغبتهن في الثرثرة رغم أن المأتم من المفترض أنه مكان للحزن، لا للأحاديث النسائية، وشخصية أمين الشرطة الذي تحرش بالممرضة ريهام ولما فشل في تحقيق هدفه لجأ للإنتقام منها، ولفق لها محضر فعل فاضح مع الشاب الذي يحبها، وكان حبيب ريهام قد ترك مشاهدة المباراة على مضض، لكي يقابل ريهام ويجلس معها على شاطئ النيل، وشخصية بائعة الملابس في المحل الشهير، وتعاملها مع ريهام بشكل وقح وصادم ومهين.

رغم الحكايات المآساوية لأبطال العمل، إلا إن إيقاع الفيلم السريع الذي صنعته المونتيرة منى ربيع نجح في تخفيف أجواء الكآبة إلى حد كبير جداً، بالإضافة لذلك نجحت المشاهد الكوميدية في إنتزاع ضحكات الجمهور، خاصة مشاهد لطفي لبيب وحسين الإمام وإنتصار.

 

وقد تمكنت المخرجة كاملة أبو ذكرى من أدواتها كمخرجة في رابع أفلامها واحد صفر، ونجحت في تحريك أبطال العمل بشكل إحترافي، فشاهدنا مباراة رائعة في التمثيل من نجوم ونجمات الفيلم، وهم إنتصار وأحمد الفيشاوي وزينة ونيللي كريم وخالد أبو النجا وإلهام شاهين وحسين الإمام ولطفي لبيب.

وفي النهاية يبقى أن نقول أن فيلم واحد صفر هو "سينماتوغرافيا إنسانية مصرية صميمة تمتزج فيها هموم ومعاناة البشر عبر حبكة سردية متقنة"

حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...