Slumdog Millionaire الأمل موجود حتى في أكثر الأماكن بؤساً ويأساً والجمال يبعث من أقبح وأقذر الأماكن

"جمال مالك" هذا هو إسم الشخصية الرئيسية، التي تتمحور حولها حبكة فيلم "المليونير المتشرد"، الإسم الأصلي للفيلم هو "Slumdog Millionaire" وهذا الفيلم إكتسح سباق جوائز أوسكار عام 2009م، وفاز منفرداً بثمانية جوائز هي أوسكار أفضل فيلم، وافضل مخرج، وأفضل سيناريو مقتبس عن عمل أدبي، وافضل تصوير، وأفضل موسيقى تصويرية، وأفضل أغنية، وأفضل مونتاج، وأفضل ميكساج.
Slumdog Millionaire الأمل موجود حتى في أكثر الأماكن بؤساً ويأساً والجمال يبعث من أقبح وأقذر الأماكن

 
 
 
 
 
 
 
 
 
والفيلم ينتمى إلى تيار يطلق عليه "سينما الواقع"، الذي ولد على يد المخرج الإيطالي "Vittorio De Sica" الذي أخرج عام 1948 الفيلم الإيطالي الشهير "Ladri di biciclette" "وإسمه بالعربية "سارق الدراجة" .
 
ثم بدأت سينما الواقع بلفت أنظار النقاد، خصوصاً في جانبها التمثيلي، على يد الممثل العملاق مارلون براندو في أفلامه بداية من فيلم "عربة إسمها الرغبة" عام 1951، وفيلم "رصيف الميناء" عام 1954، ثم فيلم "العراب" (أو الأب الروحي) عام 1972.
وفي القرن الواحد والعشرون إستعادت سينما الواقع مكانتها عبر إفراط كثير من المخرجين بإستخدامها على نفس المنوال الذي وضعه المخرج " Vittorio De Sica" فقدم لنا المخرج "سام مينديز" عام 1999 فيلمه الرائع "الجمال الأمريكي"، ثم في عام 2002 قدم المخرج البرازيلي "Fernando Meirelles" فيلم العصابات البرازيلي الواقعي المثير "Cidade de Deus" أو "مدينة الرب" الذي صور وسجل وقائع أحداث حقيقية حدثت بالفعل في البرازيل فترة السبعينات والثمانينات وهو بالمناسبة أفضل فيلم سينمائي في نظر معظم نقاد السينما.
Slumdog Millionaire الأمل موجود حتى في أكثر الأماكن بؤساً ويأساً والجمال يبعث من أقبح وأقذر الأماكن

 
 
 
 
 
 
 
 
 
يبدأ المشهد الأول في فيلم"Slumdog Millionaire" بلقطة تركز فيها الكاميرا على وجه "جمال مالك"، الواقف أمام محقق يشعل سيجارة، وينفخ دخانها في وجه "جمال مالك"، ثم يصفع المحقق وجه جمال وهو يستجوبه، ويكتب على المشهد "المكان مومباي بالهند عام 2006" وايضاً يكتب على الشاشة سؤال فلسفي موجه لمشاهدي الفيلم .
والسؤال الذي كُتب على الشاشة هو "جمال مالك بقي له سؤال واحد لكي يربح عشرون مليون روبية، كيف إستطاع أن يفعل ذلك؟
- أ:هو غشاش
- ب:هو محظوظ
- ج:هو عبقري
- د:هذا هو قدره
والسؤال كما هو واضح على غرار أسئلة البرنامج الشهير من سيربح المليون، الذي نسمع ثيمته الموسيقية خلال وجود السؤال على شاشة العرض، مما يجعل المشاهد يتفاعل مع المشهد ويشعر بالحميمية مع ما يعرض أمامه، كما لو كان يجلس بمنزله ويتابع برنامج من سيربح المليون، والأفلام التي تندرج تحت مسمى الواقعية دائماً ما تكون مثيرة، وثرية، ومشوقة، خاصة إذا تصدى لمعالجة فكرتها كاتب سيناريو محنك، ومخرج متمكن ومخضرم وذكي.
 وهذا هو ما حدث في فيلم "Slumdog Millionaire" الذي ألف السيناريو له Simon Beaufoy عن رواية "سؤال وجواب" للأديب الهندي Vikas Swarup وأخرج الفيلم المخرج البريطاني Danny Boyle الذي سبق وأن قدم العديد من الأفلام القيمة فنياً.
يحكي الفيلم قصة "جمال مالك"، وهو شاب هندي مسلم، فقير جاهل متشرد، في الثامنة عشرة من العمر، ويعمل ساعي في شركة إتصالات، أو "شاي وله" بالهندية، أي ولد الشاي او صبي توصيل الشاي للموظفين، يخوض "جمال" مغامرة التسابق في البرنامج التليفزيوني، الذي تواظب حبيبته على مشاهدة حلقاته، يشارك جمال في البرنامج دون أن يكون هدفه هو الحصول على الجائزة، أو حتى أن يصبح شخصية مشهورة، بل يشارك جمال في النسخة الهندية من برنامج المسابقات الشهير "من سيربح المليون" فقط من أجل أن تراه حبيبته "لاتيكا"، التي هام جمال بها عشقاً منذ طفولته البائسة، والتي شاركته في عناء التشرد في الطرقات، وفرقت الحياة بينهما مراراً وتكراراً.
 فهل سيربح جمال الحياة ويستعيد حبيته، هذا هو السؤال الذي سيجيب عليه الفيلم في النهاية، عبر قصة حب تكاد تكون أسطورية واقعية.
داخل البرنامج قبل أن يصل جمال للسؤال الأخير، ينتهي وقت حلقة البرنامج، ويعلن المذيع أن جمال سيواصل حتى السؤال الأخير في الحلقة القادمة، ويخرج جمال من الإستوديو، ونفاجأ بأن المذيع قد إستدعى الشرطة للقبض على جمال، بحجة أن العباقرة والمثقفون لم يستطيعوا الوصول إلى منتصف المسابقة، فكيف تمكن "جمال" الجاهل الفقير المتشرد من الوصول إلى السؤال الاخير.
وفي مركز الشرطة يخضع جمال لإستجواب قاسي، ويعذب بوحشية لكي يعترف عن كيفية تمكنه من حل أسئلة المسابقة، الواحد تلو الآخر، وهنا يستخدم المخرج إسلوب سردي جديد تماماً، وبإنسيابية وسلاسة نجح في حكي تفاصيل رحلة جمال في الحياة، التي علمته كوارثها وخطوبها ومصائبها أجوبة أسئلة البرنامج.
وكيف أن كل سؤال كانت إجابته هي ذكرى مؤلمة وتعيسة، وبإسلوب مشوق، نجح المخرج في سرد أحداث الفيلم، بطريقة الفلاش باك المتداخل عبر ثلاث محاور.
المحور الأول هو "الحاضر"، حيث جمال في غرفة التحقيق تحت الصفعات والركلات، المحور الثاني هو "الماضي"، منذ طفولة جمال إلى بلوغه سن الشباب، في شوارع ومدن وعشوائيات وعوالم المهمشين في الهند ذات التاريخ التليد والحضارة العتيدة، المحور الثالث هو "قبل الحاضر بقليل"، وجمال المتسابق في برنامج "من سيربح المليون"، الذي يجيب على الأسئلة بوجهه المعبر بملامحه البائسة عن صورة حية وناطقة، لمشاعر الأسى والمعاناة اللتان تجلبهما إليه ذكريات أجوبة هذه الأسئلة.
يلجأ الفيلم إلى تقديم رسالته عبر التجسيد الواقعي للأمل، وعدم الإنسحاق والإستسلام لليأس، مهما واجه الإنسان من محن وخطوب وكوارث، لأن "الأمل موجود حتى في أكثر الأماكن بؤساً ويأساً والجمال يُبعث من أقبح وأقذر الأماكن".
يلجأ الضابط أثناء التحقيق مع جمال إلى شريط فيديو عليه تسجيل لحلقة البرنامج، ويعرض لنا السؤال، ثم ينتقل المشهد حيث يحكي لنا جمال، عن موقف أو حادثة مأساوية تعلم منها إجابة السؤال، ثم يعرض المحقق سؤال جديد من شريط الفيديو.
وتتوالى الإنتقالات الزمنية والمكانية بين اللقطات، والمشاهد بسلاسة وإنسيابية ورشاقة، لا تسبب أي إلتباس لدى المشاهد، مهما كان مستواه الفكري والثقافي.
وقد نجح المخرج بتوظيف التفاصيل الصغيرة، والتركيز عليها، خاصة في مشهد الفتنة الطائفية، عندما هاجم المتطرفون الهندوس قرية المسلمين، وأبادوا المسلمين العزل ذبحاً وحرقاً، وقتلوا والدة "جمال".
ومشهد تدلي جمال من فوق سطح القطار، فقط لكي يسرق رغيف خبز، ليسد به جوعه وجوع أخيه، ومشهد التسول بين السيارات، والمشهد الصادم لجمال المحبوس داخل دورة المياة وتمكنه من الخروج منها بالقفز داخل الفضلات الآدمية، والتي تسببت في نجاحه في تحقيق حلمه، والحصول على توقيع نجمه المفضل "أميتاب باتشان"، وبسبب تقزز الحراس من "جمال" المغطى بالقاذورات.
ومشهد الطفل الضرير، الذي أخبر جمال عن إسم الرئيس الأمريكي، الذي توجد صورته على ورقة المائة دولار، التي أعطاها له جمال، ومشهد رؤيتهم مزار تاج محل، وجمال يسأل أخيه هل هذه هي الجنة، ودخولهم المزار، ثم تحولهم بعد ذلك للعمل كمرشدين للزوار، لتضحك حينئذ من اعماق قلبك على فهلوة جمال التي تذكرك بالمصريين.
ومشهد دخول جمال للإستوديو للإجابة على السؤال الأخير، وإمرأة فقيرة تدعو له بالربح، والمشهد الذي نجح جمال فيه في الإجابة على السؤال الأخير وربح عشرون مليون روبية، والجماهير الغفيرة الفقيرة تهلل بحماس من فرط واقعيته يسري في روح وجسد مشاهدي الفيلم.
في النهاية ينجح الفيلم في إقناع المحقق الذي يستجوب "جمال مالك" ومشاهدي الفيلم في آن واحد، بأن "جمال" بعد ان عاش حياة مملوءة بالفقر والعنف، والقتل والحب، والخيانة، فليس من العسير ان يجيب على سؤال العشرون مليون روبية.
جاءت الموسيقى التصويرية معبرة ومميزة للغاية، خاصة في مشهد الفوتومونتاج الذي يبحث فيه "جمال" الطفل عن "لاتيكا" في شوارع مومباي، ومشهد مطاردة وإختطاف "لاتيكا" الشابة من محطة القطار.
وفي الجانب التمثيلي، نجح طاقم التمثيل في تقديم مبارة رائعة في الأداء، خاصة الشاب Dev Patel في دور جمال مالك، وأيضا النجم الهندي الشهير Anil Kapoor في دور مذيع البرنامج اللئيم الخبيث، وأيضاً الممثل Irrfan Khan في دور المحقق.
وكذلك الأطفال في مرحلة الطفولة "عيوش ماهيش خيديكار" في دور "جمال" في الطفولة، والطفلة "روبينا علي" في دور "لاتيكا"، والطفل "أزهار الدين محمد إسماعيل" في دور "سليم" الصغير، وقد كان أداؤهم أسطورياً ومميزاً للغاية.
أليس من المدهش أن الأساتذة والأطباء والمهندسين، والمحامين، وعلماء في كافة فروع المعرفة لم يتجازوا مبلغ الستون ألف روبية، بينما نجح جمال في الوصول لسؤال العشرون مليون روبية.
بحق الجحيم مالذي قد يصل إليه الفقراء المشردون بعد ذلك؟؟؟، هذا هو السؤال الذي ألقاه المحقق في الفيلم، والمذيع الخبيث قال لجمال أثناء الإستراحة وهو يتعجب "فتى مشرد يصبح مليونيراً في ليلة واحدةّّّّّ!!!؟؟".
 إن فيلم "Slumdog Millionaire" الذي اعتبره "سينماتوغرافيا خلابة محبوكة بعناية ومشبعة بالأمل" ونتعلم من خلاله ان "جمال مالك" لم يكن غشاشاً او عبقرياً أو محظوظاً، لأن الله قد قدر له أن يربح الحياة بعد أن خسرها أمداً طويلاً، وبديهي أن هذا الفيلم يحتاج إلى كتاب لدراسته وتحليله لا إلى مقالة.

حسام السعيد عامر
Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 3 تعليقات:

  1. السلام عليكم يا استاذ حسام لاول مرة ادخل لمدونتك واعجبني جدا اسلوبك وسردك للفيلم شد اهتمامي واتمنى بالفعل ان اشاهده وفكرة الفيلم فعلا روعة فلو كان هذا الفيلم مصري اعتقد كان حيركز على الجوانب التافهه في البرنامج الشهير ولكن ان يركز على كيف حصل على اجوبة السؤال فكرة عبقرية وبجد شكرا لك انك عرفتنا به

    ردحذف
  2. لا شكر على واجب وتقبلي تحيتي واعتذر عن تأخري في الرد على تعقيبك

    ردحذف
  3. أروع فيلم شاهدته في حياتي جعلني أتعلق به لدرج الجنون ، و حتى التعلق بالممثلين خاصة جمال و لاتيكا الذين كانا في قمة الإبداع ... فيلم يصور المعاناة الحقيقية لمسلمي الهند في مومباي ... يستحق كل الجوائز

    ردحذف

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...