القوادة السياسية والإستخباراتية في مصر .الحرب القذرة 9

حيرتني كثيراً قصة محمود العامل في المطعم الذي حكى عنه مهند وعن هلاوسه الفكرية وتوهمه بأن مبارك يرسل الطائرات لكي تراقبه، كيف وصل الحال بإنسان عاقل ومتزن إلى هذه الدرجة وعندما أقول إنسان عاقل ومتزن فأنا أعنيها تماماً فمن وصف مهند نعرف ان محمود مهندم الثياب نظيفها وهذا اكبر دليل على مدى توازنه الفكري والدليل الأكبر من هذا هو تمكنه من التوصل لمعرفة المحرك الخفي للجماعة التي انضم إليها ثم إكتشف أنهم لا يعنيهم الجهاد بقدر ما يعنيهم تشوية صورة الإسلام وعندما تبين له أن هناك خطاً لا يجوز تجاوزه داخل جماعته الا وهو خط مهاجمة السياح وقتلهم وكذلك قتل المواطنين المسيحيين وإستحلال أموالهم ومنطق محمود أقرب للعقلانية حيث استباح أموال الدولة الكافرة من وجهة نظرة وحرم سرقة أموال المسيحين لأنهم ليسوا أعداء المسلمين ورغم معارضتي للعنف والقتل والتدمير والإرهاب تحت أي حجة ورغم إعتراضي على الإرهاب والقتل إلا إني أجد نفسي مضطراً لإحترام وجهة نظر محمود الرافضة لقتل العزل من السياح والمواطنين لأن هذا الفكر ليس من صحيح الإسلام حيث لم يأمر النبي بقتل وحرق وترويع النساء والشيوخ والأطفال بل إن من يأمر بذلك هم أمراء أمن الدولة وعملاء الأجهزة الإستخباراتية في مصر

لأن الحقيقة ليست بسيطة دائما ولا منطقية في كثير من الأحيان لهذا أود أن أستعرض معكم ما ذكره الضابط الجزائري حبيب سويدية الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الجزائري في كتابه "الحرب القذرة" الذي نشرت طبعته الأولى دار ورد للطباعة والنشر بدمشق عام 2003، وبعد أن نستعرض هذه القراءة أكاد أجزم أن كل من له عقل سيجد نفسه مدفوعاً بإعادة النظر بحذر وتدقيق تجاه كل الوقائع والحقائق التي عشنا سنوات طويلة نؤمن بأنها من المسلمات، وقد ذكر حبيب في مقدمة كتابه ما يلي "يعرف المهتمون بالوضع الجزائري حتى لو لم يعترفوا بذلك دوماً حجم الفظائع المرتكبة ضد الشعب من قبل الإرهابيين ومن قبل قوات الأمن، وإذا سلطت الأضواء الإعلامية بحق على جرائم الإرهابيين وادينت بالإجماع ، فقد قلل كثيراً من شأن جرائم الجانب الثاني (الجيش والشرطة والدرك والميليشيا) ... رأيت زملاء لي يحرقون طفلاً ورأيت عسكريين يذبحون مدنيين وينسبون هذه الجرائم للإرهابيين ورأيت عقداء يقتلون أشخاص بدم بارد لمجرد الشبهة ورأيت ضباطاً يعذبون إسلاميين حتى الموت"

في صفحة 111 يقول حبيب سويدية "إستمر رؤسائنا في منعنا من مجابهة بعض الجماعات الإسلامية مع انها بمتناول ايدينا وحدث كما قلت ان منعنا من ملاحقة جماعة قامت للتو بعملية اعتداء، شعرت شخصياً بهذا الإحباط مرات عديدة، لم أكن أفهم شيئاً فأحياناً نخرج لعمليات تمشيط يومين أو ثلاثة دون أن نجد شيئاً وعندما نحدد موقع أحد الجماعات ونريد الذهاب إليها يقال لنا (لا ،دعوهم، سننال منهم في يوم آخر)" إنتهى كلام حبيب سويدية الذي كان يحسن الظن برؤسائه وبدولته ومالم يدركه حبيب سويدية في حينها ان هذه الجماعات التي منعوه من مهاجمتها هي في واقع الأمر جماعات تابعة للأجهزة الاستخباراتية والهدف منها هو إعطاء صورة سيئة عن الإسلام وذلك بقتل وذبح المواطنين بحجة عدم إطاعتهم للجماعة، من البديهي أن أي حركة نضالية تكون بأشد الحاجة للدعم الشعبي وبالتالي فإن قتل المواطنين يسحب الدعم من تحت أرجل المناضلين ولا أدري كيف لم يفطن جموع السلفيين المصلين ليل نهار لهذه الحقيقة التي هي أبلج من نور الشمس وإن تعجب فإعجب لكيفية تمكن أجهزة الإستخبارات الجزائرية والمصرية من تجنيد أمثال هؤلاء الإسلاميين ودفعهم لتنفيذ أجندة في غاية الخبث والوضاعة وكيف لم ينفع هؤلاء المصلين صلاتهم وكيف إنزلقوا لمستنقع الإرهاب الإستخباراتي بهذه السهولة


ثم يعود حبيب سويدية ويذكر في صفحة 113 "عام 1993 انتقل الإرهابيين لمرحلة جديدة، أصبح الأجانب مستهدفين، ففي نهاية تشرين الأول اختطف ثلاث قناصل فرنسيين في الجزائر" بعد عدة سطور ذكر فيها حالات خطف وقتل أجانب في الجزائر فجر حبيب سويدية سؤالاً مفخخاً في صفحة 114 حيث يقول "خلال بضعة شهور قتل أكثر من عشرين أجنبياً، شئ واحد لم أفهمه : كيف لم يستهدف الأمريكان قط" يبدو أن حبيب سويدية لم يستطيع إدراك أن الأجهزة الإستخباراتية الجزائرية قد تعلمت كثيرا على يد أساتذتهم في السي آي إيه والذين علموهم كيفية تشويه صورة الإسلام والإسلاميين وبالتالي فمن واجب الإستخبارات الجزائرية أن تحفظ للأسياد صنيعهم وبالتالي لا تؤذي المواطنين الأمريكان

وفي صفحة 125 يقول حبيب سويدية "ففي كمين نصبته جماعة إرهابية فقد الجيش 16 رجلا بينهم ضابطان، وبعد اسبوع قام فريق مكون من الاستخبارات وعناصر الفوج 12 لمظلي الصاعقة بهجوم على عائلات الإسلاميين بالمنطقة، كانوا يطرقون الأبواب بثياب إسلاميين قائلين : إفتحوا نحن الاخوة، ومن ثم يذبحون جميع أفراد الأسرة رجالاً ونساءً وأطفالاً، خلال إسبوع واحد قتلوا أكثر من مائتي وثمانين شخصاً لم تتطرق وسائل الإعلام الجزائرية والأجنبية قط لهذه المذبحة" الآن يتبين لنا أن أجهزة الإستخبارات هي أكثر إرهابية ودموية ووحشية من الإرهابيين الإسلاميين الحقيقيين الذين قتلو جنود وضباط في كمين عسكري بينما الجنود والضباط العسكريين قاموا بمذبحة لا تليق سوى بعصابات إرهابية لا بأفراد يعملون في جهاز إستخباراتي مهمته حماية أمن الدولة فيلجأ لذبح الشعب في سبيل ذلك

أما أخطر ما ذكره حبيب سويديه على الإطلاق هو ما جاء في صفحة 133 "وكان يحدث أيضاً أن تقوم وحدات أمن متنكرة بلباس إسلاميين بقتل رجال شرطة وعسكريين بل بذبح مدنيين لكي تتمكن لاحقاً من الإتصال بجماعات إرهابية حقيقية وإختراقها .. هجمات كثيرة نسبت للإسلاميين إرتكبتها مختلف عشائر السلطة" بهذا تثبت على اجهزة الإستخبارات العربية بصفة عامة تهمة الإرهاب فهي بكل شك الراعي الرسمي للإرهابيين وهي بكل شك المفرخة التي تفرخ هؤلاء الشواذ عقلياً وفكرياً وهي غالباً ما تتصيدهم من بين تجمعات السلفيين عديمي العقل والأشبه بعرائس الماريونيت فهم يعبدون الحاكم طوال الوقت وإذا ما اتيحت لهم الفرصة فإنهم بين ليلة وضحاها يصبحون جنوداً في يد الحاكم ينفذون أجندته التي تهدف دائما وأبداً لتشويه الإسلام والمسلمين وذلك بشرط أن يسمح لهم بالقتل والإرهاب والتفجير والذبح لكل خلق الله الذين يعتبرون في عداد الكفرة وأهل البدع من منظور السلفيين المرضى ولاشك في إنهم أي السلفيين سيصبرون على أي حاكم حتى لو كان على غير دينهم او ملتهم او مذهبهم أملاً في ان ينالوا ذات يوم تصريحا بالقتل

ثم يفاجئنا حبيب في صفحة 150 "ان الجيش الاسلامي للإنقاذ عقد مناقشات مع بعض رجال الرئاسة من أجل حل تفاوضي ولكن الجنرال سماعين العماري معاون الجنرال توفيق قد كلف من قبل الأخير بإفشال هذا المسعى .. .. لكن ما آراه هو أن مناخ إنعدام الأمن كان مواتياً للقادة العسكريين" والآن يجب أن نعترف بأن الوحيد الذي له مصلحة في نشر الإرهاب وفي إنعدام الأمن هم الأجهزة الأمنية والعسكرية

ونعود لحكاية مهند حيث تحيرت كثيراً وفشلت في هضم قصته التي رواها عن تعرضه لعملية نصب وكدت أن أكذبه وارفض تصديق حكايته كلها من أساسها، ثم أعدت النظر وتبين لي أن أمن الدولة لو كانوا سرقوا البضائع من محل ومخزن مهند فهذه الحادثة لم تكن لتترك أثراً كالذي سيتركه الأثر المترتب على تنفيذ خطة محكمة يعلم خلالها مهند من هو سارقه ومن هو خلف سارقه ويفشل مهند في إستعادة حقه بكل الطرق القانونية نظراً لتواطوء الشرطة والنيابة والقضاء مع الأجهزة الإستخباراتية التي تهيمن تقريباً على كل شئ في مصر، وبعد أن نجحت الخطة التي من المفترض أن ينتج عنها التاثير على نفس مهند بجعله يشعر بالقهر وقلة الحيلة مقابل الغول الإستخباراتي وهو الهدف الأسمى لهذه الخطة الطويلة المدى، تالله ما أحقر وأخبث عقول الأجهزة الإستخباراتية في مصر فهم طبقوا منهج مشابه لهذا المنهج على المصري مصطفى بخيت المقيم بإستراليا وهذا ما سنعرفه في الجزء العاشر من هذه المقاربة
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 3 تعليقات:

  1. لقيت القصة على مدونة اسمها صدق او لا تصدق بس من غير الردود بتاعت مهند على الناس في المنتدى و كمان شكل القصة مظبوط ومتسلسلها كويس عن هنا اصل انا قريتها تاني وكمان في الآخر تغيير بسيط لنهاية الحكاية وبعد ما قريتها فهمت قوي حكاية الحرب النفسية . شكرا يا اسناذ حسام على الموضوع الروعة الي عرفني حاجات كنت مش عارفاها

    ردحذف
  2. نسيت احط رابط المدونة
    http://believeornott.blogspot.com
    وبجد هتستفيدو اوي لو قريتوها هناك

    ردحذف
  3. شكرا يا لمياء على الرابط وبجد نورت عقولنا يا استاز حسام والف شكر ليك

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...