القوادة السياسية والإستخباراتية في مصر.خفايا وأسرار 6

من واقع قراءتي وإطلاعي على العديد من الكتب والمقالات والأبحاث المعنية بسبر اغوار دهاليز وسراديب العوالم الخفية بأجهزة الإستخبارات خرجت بنتيجة مفادها التالي، وهي أنه على الرغم من أهمية أجهزة الإستخبارات في حماية والحفاظ على الدول والأمم والجماعات إلا إنه تبين لي أن هذه الأجهزة بجانب عملها الأساسي تلجأ للتحول لتسويق الخوف داخل الدولة التي تتبعها، بمعنى ان رغبات هذه الأجهزة في تحقيق السيطرة والهيمنة والسلطة الخفية والإمتيازات المالية الهائلة والميزانيات الرهيبة لهذا فهم يلجأون لتسويق الأوهام والمخاوف وتضخيم الأخطار كوسيلة رئيسية لنيل الحظوة داخل الدولة مما يؤمّن لعناصر المخابرات أرباحاً كبيرة، سواء على الصعيد المادّي "وسائل، مال" أو المعنوي "أهمّية الأجهزة، امتنان شخصيّ"
أجهزة الإستخبارات المصرية تتبع نفس المنهج وتلجأ لتدبير وتمويل وتنفيذ حوادث إرهابية بين الحين والآخر للضغط على القيادات السياسية والتلويح بمدى أهميتها في الحفاظ على الدولة، والمتتبع لمنهج التفجيرات التي حدثت في مصر خلال السنوات الأخيرة سيجد انه لم تكن وراء هذه العمليات أي تنظيمات حقيقية بل افراد بسطاء، والمتهمين في تفجيرات الحسين اوضح دليل على مصداقية هذا الرأي، وقد لجأت أجهزة الإستخبارات المصرية لممارسة ضغوط ومضايقات وحروب نفسية على بدو سيناء لدفعهم للعنف ولما لم يستجيب البدو لهذا المخطط الخبيث لجأت الإستخبارات المصرية لتنفيذ تفجيرات كبيرة في الاماكن السياحية الهامة بسيناء ثم الصقت التهمة لبدو سيناء
ذكرت آنفا تعبير"الحروب النفسية" فماذا يعني هذا المصطلح، الحروب النفسية على المستوى العام يستهدف منها شعب بأكمله أو قومية بأكملها أو أتباع ديانة ما، وعلى المستوى الخاص يكون المستهدف فرد أو أفراد، وبحسب العديد من التعريفات الحروب النفسية هدفها الأسمى هو تحطيم الكرامة الإنسانية والإرادة الإنسانية، والحرب النفسية هي اذلال للكرامة الإنسانية وتدمير للإرادة الداخلية للمجتمع عامة والفرد خاصة، وإننا لو نظرنا بعين التقييم إلى نتائج الحروب المادية التي ينتج عنها قتل المهزوم سنجد نتائج هذه الحروب المادية محسوسة ومع مرور الزمن يمكن طي صفحاتها بكل سهولة وإستعادة العافية واليابان خير دليل على ذلك فبعد أن سحقت بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية لكنها بالإرادة تمكنت من إستعادة عافيتها والنهوض مجدداً والمنافسة بقوة مع أمريكا التي إنتصرت عليها بقوة السلاح وهاهي اليابان اليوم تنتصر على امريكا بقوة العلم والتصنيع والتكنولوجيا والإقتصاد، أما الحروب النفسية فهي مجال آخر تماماً حيث يقوم فيه الإنسان بإذلال كرامة أخيه الإنسان وتحطيم إرادته وجعله قليل الحيلة

وعودة للسؤال المطروح من قبل ألا وهو لماذا تستخدم أجهزة الإستخبارات أساليب الحروب النفسية والمضايقات بينما من الأسهل عليهم أن يقتلوا أو يسجنوا المستهدف مما يوفر عليهم الكثير من الجهد والعناء؟، والإجابة على هذا السؤال في غاية البساطة وهي للأسباب التالية
أولاً تسويق الخوف بتضخيم أخطار المستهدف والتأكيد على ضرورة جعله عبرة لغيره وليس هناك اكثر عبرة من ان يصاب المستهدف بالجنون أو ينتحر أو يفجر نفسه في عملية إنتحارية للإنتقام ممن يضايقونه والحالة الأخيرة أفيد للإستخبارات حيث سيدللوا بها على أهمية وخطورة المخاطر التي تتهدد الدولة
ثانياً المزايا المادية والإمتيازات، حيث يتم تكليف أحد الضباط بملف المستهدف ومن ثم تتاح له ميزانية مفتوحة يصرف منها كيفما يشاء وبالطبع سيستفيد الضابط المكلف من هذه الميزانية، وبصفة عامة يلجأ الضابط لكتابة تقارير وهمية ضد المستهدف بهدف تأليب قيادات الإستخبارات عليه ومن ثم يتم إطلاق يد الضابط المكلف بشن الحرب النفسية على المستهدف وبالتالي تزداد الميزانية المخصصة للصرف على عملية الحرب النفسية وهو ما يعود بالنفع على الضابط المكلف بملف الحرب النفسية على مستهدف ما، وبديهي إن "المال السايب يعلم السرقة" فما بالك إذا كان اغلب العاملين بالأجهزة الإستخباراتية من الإنتهازيين المتلهفين لتحقيق أي مكاسب مادية بأي شكل من الأشكال حتى لو ترتب على أفعالهم قتل وترويع الأبرياء كما يحدث في التفجيرات التي يتم تنفيذها على يد الأجهزة الإستخباراتية
ثالثاً العناد هو السمة الغالبة على الاشخاص الذين تستهدفهم اجهزة الإستخبارات بالحروب النفسية والمضايقات بالإضافة لتميزهم بالشجاعة والإرادة القوية بجانب العناد لذلك يشعر المسئولين عن الأجهزة الإستخباراتية بضيق من هكذا شخصيات تفضح مدى ضعف شخصيات المنتمين لتلك الأجهزة الإستخباراتية وتبين لهم أن بإمكان رجل واحد لا حول له ولا قوة أن يتحدى بإرادته القوية إرادة تلك الأجهزة بكل ما تمثله من جبروت وهيمنة، والنموذجين اللذان ذكرانهما آنفاً خير دليل على أهمية هذا السبب حيث تميز المستشار هشام البسطويسي بالشجاعة وعرف عنه كما يطلق عليه زملاؤه القضاة بأنه "قلبه ميت" وأيضا لو دققنا النظر في نهاية حوار مصطفى بخيت مع عميل الاستخبارات ستجد أن مصطفى قد سخر وتهكم من العميل بكل جرأة على الرغم من رغبته الشديدة في إنهاء معاناته ومعاناة أسرته الدائمة لكنه لم يستطع كبح جماح نفسه الجريئة عندما تبين له أن العميل ومن أرسلوه ليسوا على مستوى المسؤلية الملقاة على عاتقهم بل تبين له أنهم أشبه بعصابة منظمة تريد توريط الأبرياء والمسلمين في جرائم الهدف منها هو تشويه صورة الإسلام والمسلمين في عيون أمريكا والغرب، وبجانب النموذجين السابق ذكرهما هناك نموذج ثالث سأطرحه لاحقاً وهو نموذج "مهند المصري" الذي سيوضح لنا مدى مصداقية هذا السبب حيث تميز مهند بشجاعة غير طبيعية وإستخفاف وإستهانة بكل الأخطار بما فيها التعذيب أو الموت وعناد يدفعه للإستهزاء والسخرية من ضابط إستخبارات ومن اجهزة الإستخبارات المصرية كلها في عقر دارهم داخل مكتب أحد قيادات جهاز مباحث أمن الدولة المصري لذلك وعلى الرغم من عدم تمثيل مهند لاي خطورة حقيقية إلا إن العاملين بالإستخبارات المصرية طبقوا عليه منهج الحرب النفسية بسبب طبيعة شخصيته الغير قابلة للإنقياد
وفي الجزء السابع من هذه المقاربة سنتعرف عن كثب على أغرب وأعجب نموذج ألا وهو نموذج مهند المصري الذي آثرت أن اختم به هذه المقاربة لما يحتويه من دروس وعبر ودلالات في غاية الأهمية
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك تعليقان (2):

  1. أستاذ حسام بجد انا مذهول من الكلام المكتوب في الدراسة دي والجزء ده خصوصا في منتهى الخطورة كمل متابع معاك

    ردحذف
  2. عم مرعي بتاع الكلماالأربعاء, سبتمبر 02, 2009 1:31:00 ص

    اول مرة اسمع واعرف ان في حاجة اسمها حرب نفسية تتنفذ على الافراد ........ الناس دي شياطين معقول حد يعمل كده كمل يا حسام يابني نورنا وعرفنا الدنيا فيها ايه

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...