الديمقراطية سلطة الشعب 2

والديمقراطية هي سلطة الشعب وحكم الشعب للشعب لصالح الشعب، وبرغم أن الديمقراطية نشات وترعرت في الحضارة الرومانية القديمة، وخصوصاً بدايتها في زمن انبثاق بوادر الحضارة الغربية في أثينا وإسبرطة، وتحديداً في عهد الملك ((قد روس)) في سنة 1068ق.م، وبرغم أن الديمقراطية نمت وتطورت في دول اوربا، إلا إنها لا تتعارض بأي حال من الاحوال مع الدين الإسلامي الذي أمر بالشورى، وذلك كما جاء في القرآن الكريم عندما امر الله نبيه محمد أن يشاورهم في الأمر، وقد مارس محمد صلى الله عليه وآله وسلم الديمقراطية بمعناها الإسلامي، عندما كان يقول للمسلمين أنتم أعلم بشئون دنياكم، بما يؤسس لمفهوم مدنية الدولة، والذى تمكنت من طمسه وتشويهه قوى الكهنوت من علماء الحكام المسلمين، وخاصة من نطلق عليهم السلفيين أو فقهاء السلاطين، وبرغم أن الإسلام ليس ديناً كهنوتياً، لكن نجح حكام الإستبداد في تحويله لديانة كهنوتية، للحفاظ على شرعية حكمهم الإستبدادي بدعم كهنتهم من علماء وفقهاء السلفيين.

 

السلفيين

 

.................................

وفي العصر الحديث بعد ان إنتشرت وسائل الإتصال الحديثة، كالفضائيات والهواتف النقالة والإنترنت، تمكن مفهوم الديمقراطية من الإنتشار بين قطاعات كبيرة من مثقفي وطننا العربي، بالإضافة لإقتناع غالبية شباب أوطاننا بالديمقراطية، كسبيل وحيد لتنمية وتطوير مجتمعاتنا المتخلفة، الغارقة في الظلم والعنصرية وسيطرة فئة قليلة على مقاليد الحكم، لكن ما حدث هو أن المستفيدين من غياب الديمقراطية شنوا حملة ظالمة لتشويه مفهوم الديمقراطية، ولتضليل الشعوب المغلوبة على أمرها حتى لا تطالب بتطبيق الديمقراطية.

السلفيين على سبيل المثال كانت حملتهم هي الأشد ضراوة، حيث جعلوا الديمقراطية مرادف للكفر والتحلل من الأخلاق ومن تعاليم الإسلام، وكانت حجتهم الواهية ان الديمقراطية تتيح للشعب أن يشرع لنفسه ويضع القوانين، وإذا ما إتفق الشعب على تحليل الزنا واللواط فسوف يسن قانوناً يبيحهما لكل المواطنين.

وكأن السلفيين يتهمون مواطنيهم بالشذوذ، وكأن كل المواطنين لديهم إستعداد فطري للإنحلال والتحلل من كل القيم والأعراف، المؤسف ان هؤلاء السلفيين تجاهلوا أن ما تفعله الشعوب الاوربية ينطلق من قيمها وتقاليدها هي، وكذلك ما سوف يشرعه المواطنون العرب أو المصريين في برلماناتهم سوف ينطلق من قيمهم وتقاليدهم، التي تختلف بالكلية عن تقاليد الشعوب الأوربية.

في مصر على سبيل المثال يشترك المسيحي الأرثوزكسي مع المسلمين سنة وشيعة، في تحريم اللواط وتحريم الخمر وتحريم الزنا، وبالتالي فلا خوف على الإطلاق من وضع قوانين تبيح مثل هذه الممارسات.

لكن السلفيين سيتجاهلون هذه الحقائق، لأن الديمقراطية لو طبقت سيفقدون وضعهم المميز عند الحكام، الذين يحتاجون للسلفيين لتبرير شرعية حكمهم الإستبدادي الغير شرعي، لأن الحاكم في النظم الديمقراطية لا يحتاج لمثل هؤلاء، بل ما يحتاجه هو تأييد وموافقة كل الشعب بكل فئاته وطوائفه ومذاهبه وأديانه دون تفرقة بين مواطن وآخر.

المفارقة المضحكة المبكية أن هؤلاء السلفيين يتجاهلون أن الخمر تباع علانية في مصر، وبالتالي فإن محاربة الديمقراطية بحجة انها تحلل الخمر هو حجة مردودة عليهم، لأنهم بالفعل يؤيدون حاكم يبيح بيع الخمر وتناوله، وكذلك باقي حججهم الواهية، لأن مبارك ونظامه بالإضافة لسماحه ببيع وتعاطي الخمر، وأيضاً الزنا مشاع ومتاح في كل شوارع مصر الجديدة ومدينة نصر والمهندسين ومكرم عبيد وجامعة الدول العربية والحديقة الدولية ووسط البلد والفنادق والكافي شوبات.

ولو أضفنا لما سبق أن أحد وزراء مبارك حالياً هو شاذ جنسياً، وأيضاً وزير سابق يهودي الديانة، إشتهر بأنه هو من خرب أراضي مصر الزراعية، وسرطن محاصيلها بتعاونه مع اقاربه في تل أبيب، وكان شاذاً ايضاً، فما أحمق وأغبى واحقر عقول هؤلاء السلفيين أعداء الوطن والإنسانية والمواطنين.

لقد تجاهل السلفيين عن عمد أن في النظم الديمقراطية، يحق للشعوب مسائلة حكامها، وعزلها وتغيرها، وتجاهل السلفيين أن في الدول الديمقراطية لا يتمكن الحاكم من سرقة ثروات الوطن، وتوزيعها على مؤيديه، وكهنته وقادة ميلشياته العسكرية المسماة زورا وبهتانا بالجيوش والشرطة، والتي هي موظفة في الأساس للدفاع عن الحاكم لا عن الوطن، وكلنا شاهدنا بأعيننا كيف إختفى الجيش العراقي عندما غزت أمريكا العراق، فعندما تأكد سقوط صدام توقف الجيش والشرطة عن تنفيذ وظائفهم، حيث أن جيوشنا العربية وشرطتنا مدربة فقط على قمع وقهر وسحق المواطنين، ولم يتم تدريبها للدفاع عن الأوطان.

وعلى الجانب الآخر يقوم حكام الإستبداد ومثقفيهم بدورهم الموازي، ويشنون حملة مماثلة لحملة السلفيين لتشويه الديمقراطية، لكنهم يفعلون ذلك بطريقة مختلفة، حيث يزعم هؤلاء أن شعوبنا لم تتعود على الديمقراطية، التي تتعارض مع قيمنا وتقاليدنا وموروثنا الثقافي، وكأنهم يقولون اننا شعوب تعودت على القمع والإذلال وعبادة الحكام، وكانهم يقولون أننا شعوب متخلفة وعنصرية لا تفهم في حقوق الإنسان، وكأنهم يقولون أننا شعوب طائفية متعصبة لن تتسامح وتتعايش مع الأقليات كالشيعة في معظم الدول العربية، وكالمسيحيين في مصر وبعض الدول العربية، وكأنهم يقولون أننا شعوب لا تستطيع الحياة بكرامة، وأننا تعودنا على التعذيب والإعتقال والقمع والسحق.

وبرغم كل حملات التشويه الظالمة التي تتعرض لها الديمقراطية، إلا إنها تتمتع بشعبية كبيرة جداً بين عامة المواطنين، الذين يرون بأعينهم مدى التحضر والرخاء والرقي في الدول الأوربية، التي يتمتع فيها المواطنين بحرية تجعل المواطن العربي يحسدهم عليها، ويتمنى لو يرى بلده تطبق نفس القوانين المعمول بها في الدول الأوربية، لكي يتمكن من تغيير حكامه ونوابه، ولكي يسيطر على موارد وثروات وطنه، التي ينهبها حكام لا يصلحون سوى للإيداع في مستشفيات الأمراض العقلية، لكي يعالجوا من اوهام العظمة، التي تجعلهم يعتقدون بأنه لا يوجد مثيل لهم في الحكمة والشجاعة، برغم أنهم ليسوا سوى جبناء بلهاء، وكل مميزاتهم انهم معهم المال والسلاح والسلفيين المبررين لشرعيتهم.

ولكي نتعرف على الديمقراطية نبدأ بشرح المصطلح الذي يتكون مِن كلمتين، الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية Demos وتعني عامة الناس، والثانية kratia وتعني سلطة أو حكم. وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً "سلطة الشعب" أو "حُكم الشعب" أو "حُكم الشعب لِنفسهِ"، حيث كانت أثينا وبعض المدن اليونانية تحكم قبل الميلاد (578ق م ـ335ق م)، بواسطة ما يسمى بالديمقراطية المباشرة، فقد كان المواطنون يجتمعون في الساحة العامة ويقترحون القوانين ويصوتون عليها، ثم يتم اختيار بعض الرجال (من خلال القرعة) لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

ولم يكن حينها مفهوم "حقوق المواطن" له شعبية كما هو متعارف عليه حالياً، وقد هاجم فلاسفة اليونان مثل أفلاطون وأرسطو تلك الديمقراطية، وأطلقوا عليها اسم حكومة الجهلاء والدهماء والرعاع، وقد أدت ممارسات أهل أثينا لهجوم الفلاسفة وتحقيرهم للحكم الأثيني الذي أطلق عليه اسم الديمقراطية.

ولم يستعد المفهوم قوته إلا بعد مضي قرون عديدة، حيث تطور هذا المفهوم وتغير وصار يفهم عادة علَى أنّه يعني "الديمقراطيّة الليبراليّة" أي الحرة، وهي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة وحماية حقوق الأقليّات والأفراد، وتحت هذا النظام أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتَين والهند وأنحاء أخرَى، ويعيش معظمُ الدول الباقية تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة (كالصين التِي تدّعي الديمقراطيّة الاشتراكيّة) وكالدول العربية التي يتم فيها تطبيق مظاهر الديمقراطية دون أن يتم تطبيق جوهرها، فمعظم الدول العربية وعلى رأسها مصر بها برلمانات لكن الإنتخابات في هذه الدول غالباً مزورة، ومن ثم فأغلب المجالس المنتخبة لا تمارس رقابة حقيقية على الحكام، وبرغم أن دول الكويت ولبنان والمغرب قد حدثت فيهم إنتخابات حرة إلى حد ما، لكن تظل هناك حقيقة واقعة لا يمكن المساس بها وتغييرها، وهي ان الحاكم لا يخضع لمسائلة هذه المجالس البرلمانية، وبهذا تجتمع الدول العربية كلها على تقديس شخص الحاكم، وعدم خضوعه لأي نوع من أنواع المسائلة والمحاسبة، سواء من البرلمان أو من الصحف أو من قوى المعارضة، أو حتى من عامة الشعب، حيث تجرم قوانين الدول العربية التظاهر السلمي، وتقمع الشعوب بجحافل من جنود الشرطة والجيش.

ويمكن استخدام مصطلح الديمقراطية بمعنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، فيقال إن نظام هذه الدولة ديمقراطي، أو بمعنى آخر أوسع لوصف مجتمع حر فيقال عنه مجتمع ديمقراطي، والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز، يؤمن به ويسير عليه المجتمع ككل على شكل أخلاقيات اجتماعية، ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية وقانونية معيّنة تظهر فيها مفاهيم الديمقراطية الأساسية، بحيث يعيش المجتمع في حالة من التصالح النفسي مع نفسه، ويتم السماح بتداول السلطة سلمياً بين جماعات وأفراد المجتمع، وداخل المجتمعات الديمقراطية يتساوي المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات، دون تفرقة بسبب دين أو مذهب أو أصل إجتماعي، فالرئيس والوزير مساويان تماماً للعامل والغفير، ومن ثم فإن المجتمع ككل يرفل في رخاء وعدل وحرية ومساواة.

الحكومة الديمقراطية هي تلك التي تمارَس فيها السلطة والمسؤوليات المدنية بواسطة كل المواطنين بصورة مباشرة أو عبر مندوبين عنهم يتم انتخابهم بنزاهة وشفافية وحرية، و الديمقراطية هي مجموعة من الأسس والمبادئ والممارسات التي تحمي حرية الإنسان وحقوقه

تقوم الديمقراطية على أساس حكم الأغلبية المقترن بالحفاظ على حقوق الفرد والأقليات، فجميع الديمقراطيات التي تحترم إرادة الأغلبية تحمي في الوقت ذاته وبالحماس ذاته الحقوق الأساسية للفرد وللأقليات دون تفرقة بين مواطن وآخر

تلعب الديمقراطية دور الحارس الذي يمنع تحول نظام الحكم إلى حكومة مركزية تمتلك كل السلطة، كما تقوم الديمقراطية بالعمل على نزع صيغة التحكم المركزي بالسلطة ونقلها إلى المستويات المحلية والإقليمية، مع التاكيد على أن الحكومة المحلية ينبغي أن تتصف بسهولة الوصول إليها من قبل الشعب والاستجابة لاحتياجاته قدر الإمكان

النظم الديمقراطية مهمتها الأساسية هي حماية حقوق الإنسان الأساسية وذلك بحماية حرية التعبير وحرية المعتقد وحق المساواة أمام القانون، وإتاحة الفرصة للتنظيم والمشاركة بصورة كاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع

تجري الديمقراطيات انتخابات دورية حرة ونزيهة تتيح المشاركة الحرة فيها لجميع مواطنيها، فالانتخابات الديمقراطية لا يمكن أن تكون واجهة لدكتاتور أو حزب منفرد يتخفى وراءها، بل ينبغي أن تكون منافسة حقيقية على الفوز بتأييد الشعب

الحكومات الديمقراطية تخضع لحكم القانون وتؤكد على أن كل مواطنيها يلقون الحماية بدرجة متساوية في ظل القانون وأن حقوقهم يحميها النظام القانوني

تتنوع نظم الحكم الديمقراطية بما يعكس الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية التي ينفرد بها كل مجتمع. فالديمقراطية ترتكز على مبادئ أساسية وليست على ممارسات موحَدة، والتقاليد الإسلامية تعترف بحق الشورى وتعترف بحق المواطن العادي في إدارة شئون حياته بالشكل الذي يرتضيه وتعترف بأن الناس أحرار وأصحاب سيادة

المواطنون في ظل الديمقراطية لا يتمتعون بالحقوق فحسب، بل إن عليهم مسؤولية المشاركة في النظام السياسي الذي يحمي بدوره حقوقهم وحرياتهم.

والواجب على كل مصري وعربي أن يعمل جاهداً على تأييد ومؤازرة ودعم دعاة تطبيق الديمقراطية التي فيها الدواء لكل آفات مجتمعاتنا وهي آفات يصعب مقومتها ومحاربتها إلا بالديمقراطية التي هي سلطة الشعب لا سلطة الحكام المستبدين وأعوانهم من العسس والسلفيين والإنتهازيين، ولنأمل في أن نتمكن في القريب العاجل من وضع أسس ديمقراطية تسير عليها أوطاننا في طريقها للتحضر والرقي والعدالة والرخاء والحرية والأخاء والمساواة، والله من وراء القصد
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك تعليق واحد:

  1. عم مرعي بتاع الكلماالجمعة, سبتمبر 18, 2009 1:29:00 ص

    عندك حق يا حسام يابني في كل الي كتبته في موضوعك ده الدمقراطية نظام رائع فعلا خصوصا الديمقراطية اليبراليةوياريت نطبقها في مصر

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...