دفتر احوال الوطن..إهداء لمبارك

أول يوم في شهر رمضان هذا العام قررت ان أتطوع للعمل مع أحد الجمعيات الخيرية، كان المطلوب مني هو ان أذهب لعمل بحث وإستقصاء عن الحالات الإنسانية الحرجة التي تستحق المساعدة المادية حيث ستتولى هذه الجمعية توزيع شنط رمضانية ووجبات إفطار على الأسر الفقيرة التي لا يوجد لها عائل ولا يوجد لها دخل ثابت، مقابر اليهود التابعة لحي البساتين هي المكان الذي طلب مني ان أغطيه بمصاحبة بعض الشباب التابع للجمعية، ما رأيته في مقابر اليهود يتجاوز بكثير ما كنت أتخيله عن إنتشار الفقر المدقع في مصر حيث يسكن قرابة المليون إنسان في منطقة عشوائية تفتقد لأبسط الخدمات الأساسية، المشكلة ان طبيعة البحث المطلوبة مني فتحت عيني على حقيقة كانت غائبة عني وستعرفها عند الإنتهاء من قراءة هذا المقال

نزلت في محطة مترو المعادي وخرجت من المحطة وإلتقيت مع مجموعة الشباب اللي هيقومو معايا بعمل البحث ومعظمهم عنده خبرة سابقة وركبت معاهم الميكروباص من أمام محطة المترو عشان نذهب البساتين ونزلنا في آخر الخط ومشينا حوالي كيلو متر لحد ما وصلنا لمنطقة مقابر اليهود، دخلت مع أفراد المجموعة لمنزل من اغرب المنازل التي دخلتها في حياتي وقد إتضح فيما بعد أن كتير من منازل وبيوت المنطقة مبنية على غراره، هل تتذكر مشهد سراديب أنفاق الجنود في الحروب التي تراها في الأفلام هذا هو نظام المنزل عبارة عن سراديب ملتوية محفورة في بطن الجبل بعمق متر ويعلوها جدران مبنية من كسر الحجارة بإرتفاع متر آخر وسقفها عبارة عن بعض العروق الخشبية وألواح الزنك والصفيح، على جانبي السرداب تتراص الحفر أو لو صح تسميتها بالغرف التي يسكن في معظمها أسر يتراوح عددها بين الفرد الواحد والعشر افراد يسكنون في حفرة مساحتها أربعة في اربعة او تلاتة في اربعة متر

في آخر الممرات الملتوية دخلت مع الشباب إلى غرفة لزيارة ومتابعة حالة قديمة من الحالات اللي الجمعية بتساعدها من زمان، إمراة تجاوزت التسعين بقليل وقد ترك الزمن على وجهها وجسدها آثار شديدة بحيث لم يتبق منها سوى عينان وشفاة مرتعشة متغضنة، أدهشني وفجعني وآلمني مشهد الحفرة أو الغرفة من الداخل، إنها مقبرة بكل المقاييس حيث لا يوجد شئ سوى مرتبة ممزقة وصندوقان خشبيان احدهما متر في متر تستخدمه المرأة العجوز لوضع ملابسها واغراضها والثاني بنفس الحجم لكنه مكسور وبه طبقان وحلة واعلاه قطعة ابلكاش توحي بان هذا الصندوق يستخدم كمنضدة، في جانب الغرفة بابور جاز كنت قد حسبت انه قد إنقرض منذ عشر سنين على الاقل وبجوار المرتبة جركن بلاستيك به ماء شرب حيث لا توجد بالمنزل مياة، المشهد برمته كاد ان يصيبني بإنهيار عصبي فقد تالمت كثيرا من قسوة ظروف وحياة المراة وأحسست بأني يجتاحني غضب شديد من كل مسئول يطل علينا من التلفزيون بوجهه الطافح بالنعمة والصحة ورائحة عطره الفرنسي وبدلته الإيطالية الانيقة التي بثمنها يمكن أن نكفل ثلاث أسر لمدة عام، خرجت مسرعاً لكي اتنفس هواءً نقيا ولكي أستجمع شتات نفسي وأتماسك قليلاً وخرج الشباب بعد ان إطمئنوا على ان المرأة تتناول العلاج بإنتظام ونصحوها بأن تفطر حتى تتناول الدواء، عرفت منهم انها لا أقارب لها وتعيش وحيدة في هذه الغرفة منذ عشرات السنين وانهم يتابعهوها منذ عام بعد أن أبلغهم مواطن من سكان المنطقة بحالتها

ذهبت مع احد الشباب لأتعلم منه كيفية بحث الحالات الجديدة وسرت معه في شارع عرضه تلاتة متر اسمه شارع الأسرة الدندراوية وهو شارع ترابي غير ممهد وبدون أسفلت ومليء بالحفر والمطبات ومجرد السير فيه يعتبر مخاطرة غير مأمونة العواقب، دخلت مع الشاب إلى منزل عبارة عن طابقان على مساحة ستين متر عبارة عن غرف يسكن كل غرفة أسرة، وتحت السلم دورة مياة لكل الغرف، سألنا عن حالات صعبة فأخبرونا بأن نصعد للطابق العلوي ودخلنا غرفة لا تختلف كثيراً عن غرفة المرأة العجوزة في التفاصيل بإستثناء أن لديها بوتجاز شكله خرده لكن طلع شغال وغسالة برميل برضه شكلها خرده بس برضه طلعت بتشتغل عندما عرفت ان الغسالة والبوتجاز بيشتغلو تأكدت إن معجزات الله لم تتوقف بدليل ان هذه الأدوات لا زالت تعمل وبدليل أن هؤلاء البشر لازالوا على قيد الحياة، بالبحث ثبت أن السيدة العجوز لديها بنتان إحداهما تعيش مع زوجها ولها أيضاً ولد مسجون في قضية مخدرات، كانت المرأة العجوز تعيش في هذه الغرفة مع زوجها المريض بالسكر والغير قادرعلى العمل والذي يحصل على معاش يزيد قليلاً عن مائتا جنيه ويعيش معهم في الغرفة بنتهم المطلقة ومعها ثلاث أولاد عراة تماماً ، ثبت بالبحث أن السيدة تمتلك خمس فرخات وديك تربيهم في اغرب مكان ممكن يتربي فيه دواجن، الفراخ موضوعة في دورة المياة حيث لا توجد للأسرة أي مخلفات تتبقى من طعامهم الذي لا يجدونه أساساً لكي يتبقى منه شئ، إنتهى بحث الحالة وسجلنا إسمها وعنوانها وخرجت مع الشاب الذي فاجئني باغرب خبر ألا وهو ان الحالة لا تستحق المساعدة، حاولت ان اجادله بان الخمس فرخات وديك لا يعتبروا مصدر دخل لأن ثمنهم كلهم لا يتجاوز السبعين ولا تمانين جنية لكن جهودي ذهبت أدراج الرياح حيث عرفت منه ان الجمعية مواردها قليلة ولا تستطيع سوى مساعدة ثلثمائة أسرة على أقصى تقدير ولهذا تركز على مساعدة الحالات الصعبة جداً، سكتت وعذرته وإن كنت لم أعذر والينا المعظم عما فعله بمصر هو وولده والسيدة الأولانية المهتمة بمشروع القراءة للجميع ومشروع تمكين المراة أي جعل المرأة مكنة، وكان الأجدى والأجدر أن تتبنى مشروع رغيف الخبز للجميع وان تقود حملة قومية لتمكين الفقراء من الحياة بشكل آدمي، ألا لعنة الله على الظالمين

هذه بعض نماذج لحالات رأيتها وبحثت حالتها اعرضها هنا لتعريفكم باحوال الوطن

الست روحية عمرها تلاتة وخمسين سنة تسكن غرفة بها لا شيء على الإطلاق تنام على كرتونة ويساعدها جيرانها اللي مش لاقيين ياكلو اساساً عاجزة عن العمل بسبب دمامتها الشديدة كما أخبرتني انها كانت تذهب لمسح سلالم العمارات لكنهم لا يطيقون رؤية وجهها، لديها ابن عاق تركها وحيده منذ سنين طويلة ولا تعرف مكانه وزوجها متوفي منذ عامان بسبب الفشل الكلوي، بتاخد تمانين جنية من الحكومة وبتدفع منهم خمسين جنية ايجار الحفرة قصدي الغرفة

عم موريس عمره أكتر من خمسة وتمانين سنة نشيط جدا رغم عمره وبيحب الضحك زي حالاتي، عم موريس بيبيع صواريخ للاطفال في رمضان، لا يساعده احد ولا حتى الكنيسة بتساعده ، بيقول ان اخوه غني لكن مش بيساعده، مرات عم موريس اتوفت من عشر سنين ومعندوش اولاد ومعندوش دخل، عم موريس كان بيشتغل بياع في محل في وسط البلد وسابه من زمان لما كبر في السن ودلوقتي بياخد تمانين جنية من الحكومة بيدفع منهم خمسين جنية ايجار الغرفة والباقي بياكل بيه عيش حاف

الست هانم فوق السبعين تتحرك بصعوبة بسبب كبر سنها يعيش معها ابن ابنها المتوفي وهو شاب جاهل يعمل يوم وعشرة لأ دخله الشهري لا يتجاوز المائة وخمسين جنية وتعيش معه عمته بنت الست هانم وهي سيدة في الخمسين من العمر مصابة بتضخم في الكبد وغير متزوجة وتتلقي علاج في مركز طبي ببلاش من ورا ضهر الحكومة وتتلقى بعض المساعدة المالية البسيطة من فاعلي الخير لكن برضه ظروفهم تحت الصفر

الست حفيظة واحد وستين سنة زوجها مقعد وولادها تركوها مع زوجها ولا يساعدها منهم احد بينامو على حصيرة بلاستيك مفروش عليها كليم ممزق، بياخدو تمانين جنية من الحكومة وبرضه بيدفعو خمسين جنية ايجار الغرفة وبياكلو طول الشهر بتلاتين جنية عيش حاف

عم رفقي صول شرطة مرفود من الخدمة بعد ان تم سجنه في قضية رفض يخبرني بتفاصيلها لكنه يقسم انه كان عبد المأمور لكنهم ضحو بيه عشان يحمو أحد الظباط، زوجته ميتة ومعاشه لا يكفي حزمة الامراض التي يعاني منها وهي الفيروس سي وفشل كلوي والضغط والقولون وقرحة في المعدة، عنده خمس بنات اتنين اتطلقو وقاعدين معاه وبنت مكتوب كتابها لشاب من سكان المنطقة ومش عارف يجهزها وبنتين تانين بيشتغلو في محلات ملابس في البساتين وهما دول اللي بيصرفو على البيت بمرتباتهم اللي لا تتجاوز التلميت جنية

الست نعيمة خمسة وخمسين سنة بتمسح سلالم العمارات وهي عندها خمس بنات برضه زي عم رفقي احوالها كويسة شوية يعني مفيش امراض بس مشكلتها انها بتخاف تطلع بناتها يشتغلو معاها ويزودو دخل الأسرة وطول النهار مشغلة اذاعة القرآن الكريم

ملاحظة عابرة لفتت نظري وهي ان معظم سكان المنطقة بيعانو من الفشل الكلوي والفيروس سي ، ، الشباب اللي كانو معايا قالولي ان أحوال الناس هنا أفضل بكتير من سكان بعض المناطق النائية في حي الدويقة ومنشية ناصر، سألتهم طيب ليه مش بتروحو هناك قالولي انهم صعب التعامل معاهم وممكن يأذوا الباحثين

معظم الحالات التي رأيتها أو إطلعت على تفاصيلها من الشباب المرافقين يمكنها أن تحيا بدولار واحد يومياً لكل اسرة يعني ميتين جنية شهرياً يخلو اسر كتيرة تعيش بشكل أفضل قليلاً

شكلي مش هكرر التجربة دي تاني لأنه بجد حالة الناس اللي شفتها تصعب على الكافر وأنا معنديش إستعداد أشيل هموم كل البشر دي وانا عارف اني عاجز عن مساعدتهم عشان كده جايز جداً اني اتهرب من الذهاب مع افراد الجمعية لو طلبوني في أي مشروع تاني

بصفة عامة أحب أهدي دفتر أحوال الوطن للسيد الزعيم المفدى حسني مبارك وابنه ومراته الست سوزان، وبصفة خاصة أحب أهدي دفتر احوال الوطن لكل دلدول بيخدمهم خدمة الكلب للسيد ولكل منافق بيمجد مبارك وأسرته ولكل لاعق أحذية باع نفسه وروحه للشيطان وتنكر لمصالح مصر وشعبها

اخيراً أهيب بكل من لديه المقدرة على المساعدة أن يساعد هؤلاء الناس بنفسه ولا يدفع أي أموال للجمعيات اللي في البلد لأني عرفت في النهاية ان الجمعية اللي كنت متطوع للعمل معها واللي بتساعد الناس إكتشفت إنه فرد واحد طلب متطوعين لمساعدته في مساعدة الناس بشكل مباشر بعدما فقد الثقة في الجمعيات الموجودة في أرض الواقع والتي لا هم لها سوى جمع التبرعات وشفطها في كروشهم متأسين بسنة فخامته لعنة الله عليه وآله وصحبه أجمعين
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 4 تعليقات:

  1. مقالك يؤكدأن الدوله تخلت عن دورها الاجتماعي في توفير حياه كريمه لافراد المجتمع.
    هنفضل نكتب ونصرخ ونعيط و.... وبعدين
    المجتمع المصري في اشد الاحتياج الان لعمل شعبي أه شعبي
    لا يدخل فيه الجيش ولا الشرطه ةلا منتفعي السلطه من المحتكرين و بعض الصحفيين والاعلاميين وغيرهم معروفين.

    ردحذف
  2. عم مرعي بتاع الكلماالاثنين, أغسطس 24, 2009 10:13:00 م

    والله العظيم مش قادر امسك نفسي من ساعة ما قريت المقال ده وانا قفلت باب اوضتي وبكيت من عجزي عن مساعدة الناس دي.. انت فعلا عندك حق انك ما تروحش المشاوير دي تاني.. انا ياللي ماشفتوش الي انت شفتو وتعبت نفسيا ربنا يكون في عونك
    ملحوظة هامة جدا
    انت انسان حساس جدا وواضح انك بتحس بالناس وبالامهم ومآسيهم ربنا يكرمك ويجزيك خير

    ردحذف
  3. وجعت قلبي بالمقال ده يا استاذ حسام

    ردحذف
  4. يا حرام معقول الناس عايشة ازاي في الظروف الصعبة دي شكرا يا استاذ حسام على المقال المؤلم ده بس حقيقي احنا الي عملنا في نفسنا كده

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...