بين الجريمة المباركية والإرهاب المباركي

عندما تغيب القيم وتقتل المبادئ وتختل الموازين وعندما يلبس الباطل ثوب الحق ويدثر الحق برداء موائمة الزمان والمكان حينئذ يتوجب على كل باحث ومفكر وصاحب رأي أن يقوم بتوضيح الواضح وتعريف المعرف برغم تعارض هذا الإسلوب مع أحد أهم أصول المنطق ألا وهو "توضيح الواضح يزيده غموضاً وإشكالاً" لكن لا مناص من إتباع هذا النهج مادام العقل الجمعي للشعب المصري آثر الإستسلام والتسليم لزيف ما تبثه في عقولهم أجهزة إعلام نظام مبارك، كنت قد كتبت منذ يومان عن إنطباعات تجربة زيارة حركة 6 لإبريل لمدينة الخصوص واليوم سأحاول توضيح المشهد برمته بما يحويه من شواهد ودلالات

إن إنتشار ظاهرة تلوث مياة الشرب داخل كثير من قرى ومدن مصر ومنها مدينة الخصوص التي تعتبر أحد ضواحي مدينة القاهرة يبرهن بتواتر وتوالي وتتالي حدوث حالات تسمم في كل انحاء مصر بأن هناك خطة خبيثة يقوم بتنفيذها النظام الحاكم والمستهدف من هذه الخطة هو التخلص من أكبر قدر ممكن من الفقراء المهمشين والتخلص هنا يكون بالموت أو بنشر الأمراض وإلا فبماذا تفسر تركيز إنتشار ظاهرة تلوث المياة فقط في القرى والاحياء الشعبية الفقيرة التي تتميز بكثافة سكانية عالية، وبرغم هذا نلاحظ ان الإعلام الحكومي يتجاهل ذكر هذه الظاهرة ويسعى بكل الطرق للتقليل من اهميتها وخطورتها إذا ما قامت الصحف المستقلة بتسليط الضوء عليها

وفي نفس السياق لمخطط التخلص من الفقراء نلاحظ إنعدام الرعاية الصحية داخل الاحياء والقرى والمدن المكتظة بالفقراء، ففي مدينة الخصوص على سبيل المثال والتي يسكنها قرابة 2 مليون مواطن تخدمهم وحدة صحية لتطعيم الأطفال و مستشفى بدائي بدون أي تجهيزات وهو عبارة عن مبني صغير متهالك تحيط به تلال من الزبالة الناتجة عن إلقاء مخلفات سوق الخضار الذي هو بالمناسبة امام مدخل المستشفى مباشرة، تخيل معي هذا المشهد العبثي ثلاثة مباني حكومية هي مجلس مدينة الخصوص ووحدة صحية ومستشفى ويحيط بهذه الكتلة الحكومية سوق عشوائي وتلال من الزبالة، يبقا أنت أكيد في مصر مبارك

وإستكمالاً لتنفيذ الجريمة المباركية السابق ذكر أبعادها في مخطط التخلص من أكبر قدر ممكن من الفقراء المهمشين تبرز أمام اعيننا ظاهرة نشر التلوث بإقامة مقالب قمامة داخل الكتلة السكانية وفي مدينة الخصوص تجلت بوضوع هذه الظاهرة التي أصبحت سمة أساسية من سمات الأحياء والقرى الفقيرة، لما تلاقي مقلب قمامة بين البيوت وتلاقي العيال الصغيرين بيلعبو في تلال الزبالة دي وتلاقي كل يوم والتاني كام عيل متسممين ولما تلاقي إن سكان الحي ده إبتدت تنتشر بينهم الأمراض ولما تلاقي ان المسئولين مش مسئولين عن الناس دي ومش مسئولين عن أخطائهم وكمان بيترقوا مكافأة لهم على عدم مسئوليتهم، يبقا انت أكيد في مصر مبارك الذي يتم فيها حالياً تنفيذ الجريمة المباركية

أثناء حوار شباب 6 ابريل مع الناس في شوارع الخصوص لاحظت إنه بعد ثواني من بدء الحوار ان الناس إتشجعت جداً وإبتدت تشتكي وتعلن غضبها وتعلن رأيها ومش بس كده إكتشفت كمان إن الناس عندها إستعداد للتوجه بأنفسهم للمسئولين، وده مربط الفرس إن المواطن البسيط طق من جنابه ومبقاش بيخاف من بعبع الحكومة اللي أثبتت بأنها لا تصلح لإدارة بلد بحجم مصر اللي هي بكل تأكيد أكبر من قدرات مبارك العقلية ومن قدرات كل المتزلفين المتسلقين عديمي الكفاءة المحيطين به وبالننوس الصغير إسم الله عليه

أهم دلالة خرجت بها من هذه الزيارة هي ان المواطن البسيط كفر بمبارك وعنده إستعداد يتحرك والحافز عند كل الناس موجود بس المشكلة هي القدوة، الشعب عايز قدوة عشان يتحرك، المواطن لو شاف قدامه حد مستبيع وبايع روحه في سبيل وطنه هيتبعه، المواطن اللي كنت فاكره جبان طلع انه عايز يغير وممكن يهدم نظام مبارك بس المشكلة هي عدم وجود تنسيق بين قيادات المعارضة وعدم وجود شخصيات قيادية داخل المعارضة والمشكلة دلوقتي مش جبن الشعب اللي بقيت متأكد إنه ممكن جداً إن أربع خمس شباب متحمسين زي شباب 6 إبريل لو حطيناهم في منطقة زي الخصوص اللي بيسكنها اتنين مليون مواطن إنهم يجمعوا حواليهم كل الناس بس يا خسارة المعارضة المصرية اجبن من الشعب وهي اللي خايفة تتحرك بين الناس وهي اللي خايفة من الإعتقال والبهدلة مع انهم كده كده بيتبهدلوا سواء نزلو الشارع أو قعدوا في مكاتبهم المكيفة

بجد انا لازم أعتذر لكل مصري مخنوق من نظام مبارك ونفسه يتحرك ونفسه يهدم المعبد على مبارك وإبنه، بعتذر لك يا أخي في الوطن عشان انت مش مسئول عن تردي أحوال مصر زي ما أنا كنت فاهم غلط لأن المسئول عن كده هما قيادات المعارضة اللي حابسه نفسها داخل مقرات الأحزاب

وفي النهاية أود أن أذكركم ونفسي بحقيقة هامة وهي ان مبارك رجل عسكري بيحكم مصر بمنطق العسكر وبيقرب منه اللي بينفذوا أوامره بدون نقاش وده اللي خرب مصر لأن مهما كانت عبقرية إنسان فلن يستطيع أن يلم بكافة جوانب الحقيقة وما بالك بقا إذا كان الإنسان ده متواضع الإمكانيات العقلية ولا يصلح سوى أن يكون مجرد منفذ للأوامر ويفتقد لأهم سمة من سمات القائد الناجح ألا وهي الإستماع لشكاوي وآراء المواطنين، والوضع الحالي في مصر يشهد بصدق هذه الحقيقة وأخيراً أود أن أذكر زعماء وقادة المعارضة المصرية بالمثل اليوناني القائل "أستهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه" والله يرحم سعد زغلول وأحمد عرابي وكل معارض أو صاحب رأي لا يخاف قول الحق وممارسته والله يرحم الشعب المصري اللي لسه جواه الرجولة والشجاعة رغم كل القهر والكبت والقمع والتضييق والتخويف والإرهاب المباركي
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 3 تعليقات:

  1. خطوة إيجابية النزول للشارع والتكلم مع الناس بس لسه برضه مش حاسس ان الناس كده ممكن تتحرك
    :(
    كل سنة وأنت طيب يا باشا ورمضان كريم

    ردحذف
  2. كالعادة تبهرني باسلوبك السهل الممتنع وبتحليلاتك الرائعة وبمقدرتك الرائعة على توصيل افكارك للقارئ سواء بالعامية او بالفصحى عجبني جدا المثل اليوناني اللي ذكرته في نهاية المقال وبالفعل ربنا يرحمنا اننا لسه عايشين رغم كل الظروف السيئة اللي مصر بتمر بيها
    دكتور حسن عبد الفضيل

    ردحذف
  3. رائع انك اكتشفت ان المصريين ممكن يتحركو المهم هو فين القيادات اللي تحركهم . بحييك على شجاعتك يا استاذ حسام

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...