إركن مخك وإركب حمارك

تعالى معي نستعرض مانشيتات صفحة الحوادث في الصحف المصرية، (طالب يمزق جسد زميله بسبب التنافس على الزعامة والفتيات) (خلاف تافه بين اهل العريس والعروسة يحول فرح إلى مأتم وترمل العروسة قبل دخول عش الزوجية) (عاطل يقتل جاره لخلاف على ثلاثة جنيهات) (مجزرة دموية بين عائلتين بسبب لعب الاطفال أمام بيت أحدهم) (يحرق زوجته بالجاز لأنها رفضت أن تعد له طعام العشاء) (2000 مسلم يحاولون هدم منزل قبطي بالمنيا لمنع الصلاة فيه) والمانشيت الأخير من جريدة الدستور المصرية عدد أمس السبت 25 يوليو 2009،
هتلاحظ معايا إني إخترت نوعية عجيبة من الجرائم الشنيعة التي حدثت بسبب خلافات تافهة وبسيطة، سيبك من صفحة الحوادث وتعالى معاياً نستعرض بعض مشاهداتي الشخصية داخل مدينة القاهرة، من إسبوع شاهدت في أحد شوارع وسط البلد المشهد التقليدي المعتاد بتاع تناطح السيارتين وأعني به عندما يدخل مواطن بسيارته إلى شارع ضيق ويدخل من الإتجاه المعاكس مواطن آخر بسيارته ونظراً لأن الشارع لا توجد به مساحة كافية لمرور السيارتان فإن المواطنان يقفان امام بعضهما بعناد وتناطح ويرفض أياً منهما أن يتراجع بسيارته للخلف ليسمح للآخر بالمرور، والنتيجة الدائمة لهذه المهزلة اليومية هي تكدس صف طويل من السيارات خلف كل سيارة ومن ثم تتحول إلى زحام وتشابك مروري يصعب فضه ويستمر لعدة ساعات كان يمكن أن يتم تجنبه لو كان أحد المتنازعين على أحقية المرور من الحصافة والتحضر بحيث يتنازل ويسمح للآخر بالمرور، مشهد آخر حدث أمامي اثناء ركوبي مترو الانفاق وقد يختلف مع المشاهد السابقة إلا إنه يظل موحياً بالكثير والكثير مما أصاب عقول ونفوس أفراد الشعب المصري من تشوه، سيدة مصرية من الطبقة تحت المتوسطة تجلس على مقعد وتضع بجوارها ناحية الشباك طفلة لا يتجاوز عمرها خمسة أعوام بينما فوقها لافتة مكتوب فيها "هذه الكراسي مخصصة لكبار السن والمعاقين وأصحاب الإحتياجات الخاصة" ومرسوم عدة صور توضح من هم أصحاب الإحتياجات الخاصة وعلى التوالي هم شخص قدمه في الجبس ويسير بعكاز أو إمرأة حامل، او إمرأة تحمل طفلاً، ما علينا جاء رجل عجوز ووقف أمام المراة ونظر للطفلة ثم سكت وإستمر بالوقوف، إستفزني للغاية منظر الرجل الضعيف المتهالك وهو بالكاد تحمله أقدامه وجسده يهتز مع إهتزاز المترو وهو بالكاد يستطيع تحمل الوقوف على أرض ثابتة، ملت برأسي للأمام قليلاً وعرضت على السيدة أن أتطوع بحمل طفلتها حتى يستطيع الرجل العجوز الجلوس في مكانه إنفجرت المرأة من الغيظ وتحججت بأن طفلتها لا تحب الأغراب فقال لها أحد الواقفين بجواري "خلاص قعديها على حجرك وسيبي الراجل يقعد مكانها" وفجأة طلعت في كل الناس وهددتهم بشكل عبيط قال إيه إنتو مش عارفين أنا مرات مين، نهارك إسود راكبة مترو الأنفاق هتكوني مين يعني سيدة مصر الأولى، معظم اللي حواليها ضحكوا أصل منظرها لا يوحي أبداً بإنها مين ولا حتى فين، المهم راجل عجوز برضه كان جالس أمامها مع زوجته وقف وترك كرسيه لأخيه في الإنسانية والعجز وبكده خلصت المشكلة بس الولية شبعت تريقة من شوية شباب لسانهم زي الفرقلة وهاتك يا تريقة "إنتو ماتعرفوش أنا مراة مين ده أنا مرات مخبر قد الدنيا" و "إنتو متعرفوش أنا بنت مين ده أنا بنت عسكري مطافي قد الدنيا"، المهم نعود لموضوعنا الأساسي ألا وهو تشاجر الناس لأتفه الأسباب، لماذا أصبح الناس لا يطيقون بعضهم ولماذا تنفجر المعارك الدامية بين المواطنين لأسباب عبيطة وتافهة ؟!!،
المواطن المصري البسيط يعيش حياة متوترة وهو على شفا الإنهيار العصبي من جراء المشاكل الحياتية الكثيرة التي تحيط به وتحاصره، الفساد والرشاوي والمحسوبيات ومرتبات ضعيفة وغلاء الأسعار وطوابير العيش بطول البلاد وعرضها وأزمة السكن وإرتفاع سن الزواج وتفشي الجرائم الأخلاقية، وبدلا من توجيه غضبنا نحو الحكومة وبدلاً من التظاهر والثورة على الأوضاع المزرية المؤسفة التي وصلت لها البلاد على يد فخامة الرئيس الحكيم حسني مبارك وبدلا من التوجه كلنا نحو القصر الجمهوري وهدمه على رؤوس سكانه، ونظراً لجهلنا وغبائنا فقد قررنا بمحض إرادتنا أن نضع غلنا وغيظنا في بعضنا البعض ونتشاجر على أتفه الأسباب ونختلف على اتفه الأسباب ونمزق أجساد بعضنا البعض على أتفه الأسباب ونقتل أنفسنا على أتفه الأسباب ونهدر طاقة الغضب بداخلنا على أتفه الأسباب
المواطن المصري إذا ما كان يريد بالفعل التخلص من هذه الأوضاع السيئة وإذا ما كان حقاً يريد التخلص من هذه الحياة المريرة فليس أمامه إلا أن يوجه طاقة الغضب المكبوت بداخله نحو من أفسدوا عليه الحياة ونحو من سرقوا ثروات وطنه ونحو من عذبوا المواطنين داخل أقسام الشرطة ونحو من زوروا الإنتخابات ومنعو المواطنين من التصويت، وليس من المعقول أن نعوض حرماننا من التصويت في الإنتخابات بأن نصوت بالصوت الحياني على قتلانا الذين نقتلهم بأيدينا لا بيدي عمرو،
طالما كده كده إنتو مستبيعين وطالما كده كده معرضين للأذى وللموت فلماذا لا نستغل حالة الغضب والإستبياع ونوحد أنفسنا ونتظاهر ونثور ضد الأوضاع السيئة التي أوصلتنا إليها حكمة الرئيس مبارك، أومال لو ما كانش حكيم كان عمل في مصر إيه يا جدعان، ولا نستطيع إنكار حكمة الرئيس مبارك التي تقول "إركن مخك وإركب حمارك وروح إقتل قريبك وجارك"
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 8 تعليقات:

  1. انا فهمت قصدك
    بس صعب الناس تبطل غباء ده شئ في دمنا والتناحة كمان شئ في دمنا والنفاق برضه شئ في دمنا ومفيش امل

    ردحذف
  2. ربنا يستر يا حسام..بجد اللي يقرأ فعلا صفحة الحوادث في ال10 سنين الاخيرة حيلاقي زيادة غريبة في وحشية الجرائم وتنوع أسبابها..يعني بقينا بنقتل علي الربع جنيه دلوقتي وعلي رغيف عيش..مش عارف الحال ده حيوصل لفين
    بجد بخاف جدا كل ما بفكر
    تحياتي لمقالاتك الجريئة

    ردحذف
  3. من شدة الوحشية اللى حاصلة ورفضى انى اكون صحفيه محررة حوادث خسرت كتير
    انما قلوبنا وجعتنا من الحيوانية فى سلوك المجتمع النمطى

    مجهود رائع
    تقبل مرورى

    (ملكة بحجابى )

    ردحذف
  4. تحياتي لجرئتك واسمح لي ان اطلق عليك فارس هذا الزمان وخاصة اننا لم يعد لزماننا فرسان فانت بحق فارس بني خيبان وياريت بني خيبان يحسوا بكلامك ويتحركوا وانا من ضمنهم اتعرف يا سيدي عندما اقرا لك احتقر نفسي كثيرا واشعر اني لا استحق الحياة طالما اعيش بكل هذا الجبن فتحياتي لشجاعتك
    إمضاء
    واحد من بني خيبان

    ردحذف
  5. غير معرف الأولاني
    شكرا لتعليقك بس إسمح لي أختلف معاك وأقول لك إنه فيه أمل كبير بس لو كل واحد مننا عرف يشغل مخة شوية وعرف إنه مش لوحده في الدنيا وعرف إن إيد لوحدها متسقفش وعرف إن الأوطان تساع كل المواطنين
    تقبل تحيتي ومودتي

    ردحذف
  6. مايكل
    منور المدونة يا مان وكويس انك خايف من المستقبل لأن ده هيخليك تاخد موقف من سلبيات الحاضر وتحاول تصححها وده على فكرة برضه دور الأديب انه يرصد المشاكل ويسلط الضوء عليها زي ما انت بتعمل في مواضيعك اللذيذة اللي بتكتبها في مدونتك
    تحيتي ومودتي

    ردحذف
  7. ملكة بحجابي
    أسعدني مرورك وتعليقك بس زعلان قوي إنك رفضتي تكوني محررة في صفحة الحوادث لأنك كنت هتقدري تقدمي للمجتمع خدمة كبيرة بنشر سلبياته وفضح جرائمه
    تحيتي ومودتي

    ردحذف
  8. غير معرف اللي توقيعة واحد من بني خيبان
    هون عليك يا أخي فأنت كما كل الناس في بلدي ضحية ثقافة مجتمع وضحية مثقفين مدعين يرسخوا بداخلنا الجبن والخنوع لكن مع ذلك نفسك الأبية ترفض الرضوخ والإستسلام للحال الواقع والدليل هو قرائتك لهذه المدونة وشجاعتك في التعقيب على المقال وهذا أول السيل كما يقولون قطر فينهمر وأتمنى أن ينتشر الوعي بين أبناء وطني ويفيقو من سباتهم ويسعوا لتغيير واقعهم المزري
    تقبل تحيتي ومودتي وأشكرك على إطرائك

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...