العين بالعين والسن بالسن والبَضِي أصفر

يحلم معظم المواطنين في مصر والدول العربية بأن تصبح حياتهم خالية من المشاكل والتعقيدات الروتينية التي تنغص عليهم حياتهم، يحلم المواطنون المصريون والعرب بأوطان تحترم آدميتهم كما هو الحال في دول الغرب، يحلم المصري خاصة وكل العرب عامة بأن تصبح بلادهم صورة طبق الأصل من فرنسا أو سويسرا أو إنجلترا أو حتى على أسوأ تقدير مثل الولايات المتحدة الأمريكية
في بلادنا لا توجد أي حقوق للمواطن بينما عليه واجبات ينوء بحملها الجبال، يتعرض المواطن للغبن من الدولة ومع ذلك يجب عليه طاعة أولى الأمر وإلا أصبح منبذوا مطارداً وبائساً ومشرداً من الحكومة ومن أبناء وطنه الذين يعينون الظالم على ظلمه فيزيد ظلماً وتجبراً وتعنتاً، عادي جداً أن يذهب مواطن لقضاء مصلحة ما في أي جهة حكومية ويتعرض للغبن والظلم ولا يتم خدمته بسبب لائحة روتينية أو موظف غبي أو نظام حكم لا يرعى في مواطنيه إلاً ولا ذمة، عادي جداً أن تذهب لركوب قطار أو طائرة وتجد انها قد أقلعت قبل موعدها أو ستتأخر بعد موعدها بساعات طوال وقد يترتب على ذلك خسائر أو مصائب لمعظم المواطنين ومع ذلك لا يهتم أحد بشكواك لو تجرأت وذهبت للشكوى ولن تنال تعويضاً لو قاضيتهم فهم القاضي والخصم والشاهد، عادي جداً أن يصاب أحدنا بمرض لا قدر الله وعندما يذهب إلى مستشفى حكومي يفاجأ بأنه قد دخل إلى سيرك أو مولد وصاحبه غايب وخايب، فلا توجد أسرة نظيفة ولا توجد ممرضات محترفات للعناية بالمرضى والأدهى أن الأطباء على درجة عالية من الجهل والعشوائية، من يخيط الجرح للمصاب هو عامل النظافة الذي له خبرات سابقة بالخياطة والتطريز والتي تنظف الجروح تحتاج لأن تغتسل بماء النار لتزيل عن نفسها ما علق بها من سخام الوطن والطبيب الذي يشخص الحالة ينطبق عليه المثل القائل " لا له في العير ولا في النفير" فهو شاب حديث التخرج لا يكاد يميز بين الخبيث والطيب من الأورام ولا يعرف الفرق بين المغص الكلوي والصداع من فرط سوء تدريبه وإعداده ومن فرط سوء وسوءة المناهج التعليمية التي حشرت في رأسه، قد يكون المريض بحاجة لعملية زرع نخاع أو قد يكون المريض بحاجة لزرع فص كبد أو قد يكون المريض بحاجة لكلية جديدة بعد أن خربت الكليتان القديمتان من مياة الشرب الملوثة بالمجاري، وهذه العمليات لن تتم لأياً من هؤلاء لأن الروتين قد يطول بشكل يقصر معه عمر المريض الذي يلقى ربه غالباً قبل أن يلقى وجه الطبيب الجراح
رجل مسن يذهب للضمان الإجتماعي لكي يطلب منهم معاش يساعده على تجاوز شيخوخته وامراضه الكثيرة ولعدم إستيفاء أوراقه أو لعدم تطابق ظروفه مع شروط الوزارة وبكل بساطة ونطاعة ولطاعة يتم رفض طلبه رغم أن حاله يصعب على الكافر، إمرأة مسنة تذهب لصرف معاش زوجها الذي توفي فيتم وقف صرف معاشها نظراً لنقص ورقة أو مستند ما
لا تمل الحكومات العربية ولا موظفيها من التنغيص على المواطن اللي مالوش ضهر فهو تسليتها اليومية المعتادة وهو النكتة السرية التي تتداولها حكوماتنا العربية فيما بينها وتعتبر أن هذا التنغيص هو رسالتها الأساسية في الحياة، السبب الأساسي لإستمرار حكوماتنا في الإستهبال علينا هو سلبيتنا وسكوتنا، الحل الوحيد لإجبار حكوماتنا العربية عامة والمصرية خاصة على أن تعاملنا معاملة آدمية هو أن نشعر نحن أولاً بآدميتنا وبحقنا في الوجود والعلاج وبحقنا في أن تخدمنا هاتيك الحكومات
إن المواطن الغربي لو شعر بتقصير ما من أي جهة فهو يشكو ويتظاهر ويحتج ولن يطول به الحال كثيراً حيث أن تلك الدول تخاف على سمعتها بين المواطنين، هنا في مصر وفي اغلب الدول العربية الحكومات عينها باكسة وفاجرة ولا تخاف على سمعتها بين المواطنين لأن المواطنين لن يستطيعوا تغيير هذه الحكومات ولن يستطيعوا مقاضاتها لأنه كما يقول البارودي في فيلم الزوجة الثانية " الورق ورقنا والقلم قلمنا وإمضي يا أبو العلا" في إسقاط على مدى تحكم وتجبر السلطة مقابل المواطن الذي لا يملك أي أداة لمقاومة ومسائلة حكامه
انا أعلم أن الصورة أصبحت قاتمة فهل من بصيص نور في آخر النفق، نعم هناك أمل كبير ونور ساطع لكنه يعتمد بشكل كبير عليك وعلي وعلى كل من يقرأ ويفهم، التكاتف والتضامن والمساندة والمؤازة والإتحاد هذه الكلمات هي الأمل وهذه الكلمات هي بصيص النور، إنها كلمات رائعة ونفتقدها كثيراً اللهم إلا في الملمات وفي حالات الوفاة لكن نحن اليوم أحوج إليها في كل مشهد من مشاهد العنت والغبن والظلم الذي يتعرض له أي مواطن
المريض الذي رفضت الدولة أن تعالجه على حسابها يقوم أهله بالتجمع أمام باب مدير المستشفى ويا حبذا لو تضامن معهم بعض الأقارب والمعارف والجيران وكلما كان العدد كبيراً كلما كان لوجودهم تأثير أسرع، وبالإعتصامات أمام أبواب مكاتب المسئولين نحل مشاكل مجتمعاتنا، يعتصم الركاب أمام مكتب مدير شركة الطيران ويرفعون لافتات تندد بسوء الخدمة وتضارب وعدم مصداقية المواعيد وكذلك أمام مكتب وزير النقل للتنديد بكوارث القطارات وخروجها عن القضبان وكذلك الإعتصام أمام باب مكتب النائب العام لإجباره على سرعة الفصل في القضايا المهمة وكذلك الإعتصام امام مكتب وزير التضامن الإجتماعي لإجباره على رعاية العجزة والمسنين وعلى صرف معاشات إستثنائية تكفل لهم حياة كريمة وإعتصموا أمام مكتب وزير التموين للإحتجاج على زيادة أسعار السلع الأساسية، نغصوا حياة هؤلاء البلداء الأغبياء، نحتاج إلى نشر وترويج ثقافة الإعتراض وثقافة المطالبة بالحقوق في مجتمعاتنا ويجب أن نجعل أيام وجود المسئولين الظالمين على الكراسي أيام قلق ولهاث وتوتر فهم من بدأ بالظلم وكما تعرفون أن البادئ أظلم ولا تنسوا أبداً أن "العين بالعين والسن بالسن والبَضِي أصفر"
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 8 تعليقات:

  1. جزاكم الله خيرا..

    مقال رائع جداا

    ولكن للاسف..لاحياة لمن تنادى

    ردحذف
  2. مقال ممتاز يا أستاذ حسام وقلمك شجاع ولا تخشى في الحق لومة لائم

    ردحذف
  3. والله ما قصرت

    ردحذف
  4. مسلمة من أرض المشرق
    شكراً لتعقيبك لكن مضطر أختلف معاكي لأن لازم كلنا نحاول ونحاول ونستميت في المحاولة ومش لازم نستسلم لليأس أبداً ولازم نوعي ونصحي المواطنين وندفعهم للثورة على الفساد والمفسدين
    تقبلي تحيتي ومودتي

    ردحذف
  5. غير معرف
    شكراً لتعقيبك على المقال وشكراً جزيلاً لإطرائك ويارب أستمر كده للنهاية
    تقبل تحيتي ومودتي

    ردحذف
  6. غير معرف التاني
    شكرا لك وأتمنى كلنا ما نقصرش في حق أوطاننا
    تقبل تحيتي ومودتي

    ردحذف
  7. اسمح لي انصحك نصيحة بشعة اه لاتستغرب لو عاوز تفضل بالقوة دي ولا تخاف لومة لائم لاتتزوج ولا تنجب فاول ما يكثر ظهر الرجال هو مسئولياته وخوفه على الزوجة والابناء هو السبب الاساسي لخلق الجلان من ظهر الشجاع

    ردحذف
  8. الأخ الكريم غير معرف التالت
    أتفق معك في رأيك ومش بعيد إن ده هو اللي هيحصل
    بس أنا أعتقد إن الإنسان ممكن يفضل شجاع طالماً هو أساساً عنيد في الحق ويكره الظلم والفساد والإستبداد
    تقبل تحيتي ومودتي

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...