إغضب أو عش كالأموات

انت تخرجت من الجامعة وحتى لو كنت الأول على دفعتك فلن يتم تعيينك كمعيد وسوف يعين الخامس او حتى من حصل على تقدير مقبول طالماً معه واسطة فهو مقبول وينتج عن هذا ان يستعر بداخلك غضب على الظلم والفساد والمحسوبية وتتشرنق وتتقوقع على نفسك، تظل فترة طويلة تشعر بالضياع داخل وطنك ولا تجد فرصة للعمل الشريف فتبتلع غضبك داخلك وتزداد داخلك المرارة فتدفعك لمزيد من التشرنق والتقوقع، ينجح ابوك ببعض التزلف والمداهنة في أن يجد لك وظيفة في نفس المصنع الذي يعمل به وتستلم عملك وتجد أنه لا يتوافق مع طبيعة الشهادة التي حصلت عليها ومع ذلك توافق على الإستمرار في وظيفتك الجديدة وتلعن النظام الذي يجبر خريج قسم الفيزياء بكلية العلوم على أن يعمل مشرف وردية في مصنع ماتسويان للدخان وتواجه واقعك العبثي بمزيد من التقوقع والتشرنق، تنجح بعد حين في الزواج بعد أن ساعدك أبوك وليلة الفرح حضرت عربة مملوءة برجال الشرطة تطالبك بإنهاء الفرح فوراً لانك تسبب الإزعاج للجيران فترضخ لهم وتذهب مع زوجتك لعش الزوجية وداخلكما خليط من المرارة والغضب وقلة الحيلة والهوان على الحكومة وتزداد تشرنقاً وتقوقعاً وربما لن تنجح في فض ليلة الزفاف بنجاح نتيجة توترك العصبي وهذا قد يدفعك لمزيد من التقوقع والتشرنق، أنجبت ولد وبنت وتعبت كثيراً في تربيتهما وتحملت في سبيلهم الكثير واخيراً نجحت في أن تجعلهم يحصلون على شهادة جامعية ولكن للأسف لم يعد لها الآن اي قيمة في سوق العمل ولم يتوافر لهم نفس الحظ الذي أتاح لك ان تتوظف في القطاع العام وتنقل إبنك وإبنتك بين الوظائف الهامشية في القطاع الخاص وكل يوم والتاني يغيرون وظائفهم كما يغيرون ملابسهم فتزداد نقمة على هذا النظام الذي لا يضمن أي مستقبل لأبناء الوطن وتزداد تشرنقاً وتقوقعاً على نفسك، تمرض إبنتك وتفشل في علاجها على نفقة الدولة فهي ليست لعيب كورة أو رقاصة لكي تعالجها الدولة التي تهمل كل المواطنين وتولي إهتمام خاص لمطربات الفيديو كليب والراقصات لما تمثلان من قيمة حقيقية لثروات هذا الوطن من اللحوم البيضاء الشهية الطرية وبعد أن تزداد آلام إبنتك وتفشل في إنقاذها من مصيرها القاتل تزداد لديك مشاعر الكراهية لكل من حولك وتتشرنق وتتقوقع منكفئاً على ذاتك، تزداد عليك أعباء الحياة ومرتبك يادوب يكفيك ويكفي أسرتك بالعافية ومع ذلك يزداد تقوقعك وتشرنقك، تزداد عليك المشاكل وترتفع أسعار السلع الأساسية ومع ذلك تزداد حدة توحدك وتقوقعك وتشرنقك، اجرك اصبح يضيع على المواصلات من وإلى العمل ولا تستطيع شراء ملابس جديدة بدلا عن الهلاهيل المهترئة التي ترتديها ومع ذلك تزداد تشرنقاً وتقوقعاً، تفشل تماماً في مساعدة إبنك لكي يتزوج فالحصول على شقة دونه خرط القتاد ودونة كذلك خرط الملوخية وتزداد حدة المرارة بداخلك وتتشرنق متقوقعاً على نفسك، تسمع خطبة الجمعة والخطيب يصر على أن يصب في أذنيك آيات تدعو إلى الصبر ولو كلفت نفسك وقرأت القرآن لعرفت أنها إنما تخاطب الذين يقاتلون ومع ذلك نجح الجاسوس في تلبيسها عليك لكي تظل قانعاً صابراً متشرنقاً متقوقعاً، يقول الرجل من على منبره أن الدنيا متاع الغرور وأن الفقراء أعدت لهم جنة عرضها السماوات والأرض والأن الأرض يرثها العباد الصالحون فتزداد صلاحاً وصبراً وتقوقعاً وتشرنقاً وأنت تأمل بأن ترث الارض في نهاية المطاف، يتظاهر إبنك مندداً بفساد الحكومة ومطالباً الرئيس الفاسد بأن يترك الحكم للشعب ومع إن المظاهرة كانت سلمية إلا إن كلاب السلطان يقبضون على إبنك فلذة كبدك ويعذب بوحشية داخل سراديب الشرطة ولا تستطيع أن تحمي إبنك من بطش هؤلاء الكلاب وتدعو على الظالمين وتزداد تقوقعاً وتشرنقاً، يبيعون الشركة التي تعمل بها بتراب الفلوس ويعطونك مبلغاً هو أقل من واحد في المائة من حقك وتصرف هذا المبلغ في تزويج الولد ولا يتبقى معك مبلغ يكفي لكي تذهب للعمره أنت وزوجتك وتبقى وحيداً في منزلك مع زوجتك وتزدادان تشرنقا وتقوقعاً وتحلقاً على القنوات الدينية، تخرج مع جارك لكي تجلس معه بعض الوقت على القهوة وتلعبان الدومينو أو تشاهدان مباراة الكرة وتخرجان كل مشاعر الكراهية والكبت والمرارة وتصبان اللعنات على الفريق المنافس وتزدادان تقوقعاً وتشرنقاً، تغضب من صديقك لسبب تافه وتتشاجران بوحشية كما لو كنتما اعداء بسبب تراكم القهر والمرارة في نفوسكما وكما لو كان كل منكما يحمل الآخر الذنب في كل إحباط أو ظلم او قهر اصابه ونسى كل منكما أنكما ضحايا لأفسد نظام حكم عرفته المجتمعات البشرية على مر الأزمنة، لا يوجد أمامك وأمام أي مواطن مصري سوى حل من إتنين إما أن تغضب وتقنع سواك بالغضب من هذا النظام وإما أن تعيش كالأموات، رفعت الأقلام وجفت الصحف
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 4 تعليقات:

  1. أيها الصديق المغوار أكتب إليك وأنا أرتجف خوفا وفرقا. أحيانا لا يستيقظ البعض إلا بالصفع الشديد لتبلد أحاسيسه لكن من المؤكد أن الصفع إذا اسشتد بضراوة فإنه يؤيد بعد الإفاقة المطلوبة إلى الموت من شدة الصفعة . وإذا أردت أن تضم حماما إلى غيتك فلا بد أن تتريث معه وتتواني وتحايله وتتودد إليه أما إذا أحدثت ضجة وصخبا فإنه سيفر من أمامك ولن يعود إليك مرة أخرى واعتقد أن الوقت ضيق والوعي يحتاج إلى تحقيق معادلة صعبة تحتاج إلى السرعة + التأني .. كان الله في جارك

    ردحذف
  2. الكحيان
    مغوار إيه يا راجل يا طيب ولا مغوار ولا حاجة ....
    السرعة + التأني دي أغرب معادلة شفتها في حياتي ونتيجة المعادلة دي هتكون تقريباً محلك سر
    للعلم الصفع لا يؤدي للوفاة إلا إذا كان الصافع غشيم والمصفوع خرع ومايص وعلج وسيس لكن شعبنا مش كده خالص وأنا كمان مش غشيم
    وتقبل تحياتي

    ردحذف
  3. رهيب والله رهيب صحيح ده زمن الجبناء ايها الشجاع الشجاعة قليلة عليك والمغوار اقل من ان توصف به كلامك صريح قوي الاتخاف ابدا ممكن اسالك سؤال عمرك دخلت السجن ؟؟ يبدو لي انه لا يهمك واردت ان اعرف
    اقسم بالله اني ككل من يدخل لك ولا يعلق خوفا ورهبه فنحن الجبناء دائما ندخل مدونتك باسماء مستعارة او غير معرفين سامحنا لاننا لسنا مثلك

    ردحذف
  4. أولاً خليني أشكرك على كلامك الجميل وخليني أحي شجاعتك برضه رغم إنك بترد بصفة بدون تعريف وده لا ينتقص من شجاعتك أبداً
    ثانياً رداً على سؤالك أنا بكل صراحة لم أدخل السجن من قبل ولم تصدر علي أي أحكام لكن تعرضت للإعتقال والتعذيب الوحشي في سراديب دلاديلنا الحلوين لسبب من أغرب الأسباب وأحب أحتفظ بالسبب ده لنفسي لكن الشئ المؤكد والسبب الوحيد لوجودي حتى اليوم على قيد الحياة هو إرادتي القوية وعنادي الشديد وإيماني وإقتناعي بأن كل دلاديل مبارك هم مجرد مجرمين وبلطجية وقطاع طرق يرتدون ملابس رسمية ويدعون ظلماً وزوراً أنهم رجال دولة الشئ الآخر الذي جعلهم يتركوني على قيد الحياة رغم أني أهنتهم مراراً وتكراراً هو رغبتهم في كسر إرادتي وتحقيق إنتصار بأي شكل من الأشكال حتى لو إضطروا لتجويعي وإفقاري بمنعي من العمل في مصر ومحاربتي في رزقي لمدة تزيد عن عشرة أعوام لكنهم للأسف سيخسرون بكل تأكيد لأن هناك رب في السماء ولأن الله له طرقاً عجيبة في نصر المظلومين والمستضعفين وتقبل تحيتي ومودتي

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...