يا عريس يا صغير علقة تفوت ولا حد يموت

على خلفية الاشاعات التى سربتها اجهزة مبارك الأمنية في الأيام الماضية يتردد اليوم بين السياسيين والمثقفين المعارضين في مصر تساؤل إستنكاري مفاده "هل سينجح مخطط التوريث في مصر رغم انف المواطنين ؟" ومضمون الإشاعة هو قرب صدور قرار رئاسي بحل مجلس الشعب وإجراء إنتخابات برلمانية جديدة إستعداداً لإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة يقدم فيها الأب حسني مبارك إبنه جمال للترشيح على منصب الرئاسة في حياته ضمانا لنجاح مشروع التوريث، وكانت هذه الاشاعة قد سرت في الأيام الماضية سريان النار في الهشيم داخل دوائر الإعلام والسياسة وترتب عليها أن الكثير من الكتاب السياسيين قد فهم من مجريات الامور أن هناك خلافاً حاداً يدور داخل جنبات وأروقة البيت الرئاسي بين الرئيس الأب حسني مبارك من جانب وبين زوجته وولده جمال المستقويان بلجنة السياسات في الحزب الوطني من جانب آخر، بينما واقع الأمر أن هذه الإشاعة اطلقت كبالون إختبار لقياس ردود أفعال المواطنين والإعلاميين والسياسيين والنخبة المثقفة والمعارضين للتوريث من فكرة حل مجلس الشعب والتبكير بإجراء انتخابات البرلمان التي من المفروض أن موعدها في عام 2010 وانتخابات الرئاسة التي مقرر إجرائها في عام 2011 اي بعد عامان من الآن، وبناء على ردود الأفعال السلبية للقوى السياسية والإعلامية والإجتماعية في مصر فإن مبارك يراهن بقوة الآن على إمكانية تمرير مشروع التوريث في مصر خاصة إذا استمر الشعب المصري على حالته الراهنة من الوهن والخمول والسلبية حيث أن المواطنون المصريون منكفئون على ذاتهم وغير معنيون بمن يبقى في الحكم ولا بمن يرحل ولا يشغلهم سوى اللهاث وراء لقمة العيش ولا يشغلهم سوى مشاكلهم التي لا تعد ولا تحصى بداية من مشكلة البطالة ومروراً بمشكلة إرتفاع أسعار السلع الأساسية ومشكلة الإسكان المستعصية على الحل وإرتفاع إيجارات المساكن وتفشي ظاهرة الرشوة والفساد والمحسوبية وإنعدام الإنتماء للوطن وظهور الأمراض الإجتماعية الغريبة الجديدة على المجتمع كالتحرش الجنسي والتعصب الديني والطائفي وإنتهاء بمشكلة تأخر سن الزواج وأصبح المواطن المصري يعيش داخل بلده بلا هدف ولا طموح ولا وجود حقيقى، وقد ترتب على هذه المشاكل العديدة إصابة المجتمع المصري بحالة مكتومة من الغليان والاحتقان الذي يضرب كل مناحي الحياة ولو نجحت التيارات والقوى السياسية في إستثمار هذه الحالة المحتقنة من الغليان والغضب المكبوت وحولته إلى ثورة شعبية جارفة ضد التوريث وضد النظام المتآكل الموشك على الإنهيار فستكون هذه هي نهاية نظام مبارك القمعي الإستبدادي الأوتقراطي على أيدي المواطنين المصريين البسطاء، وينطوي على تمرير مشروع توريث الحكم لجمال مبارك في حياة الاب عدة مخاطر كبرى اهمها أنه قد ينفلت الحال ويتمكن الشعب من استعاده حقه في ادارة البلد وساعتها يلبس مبارك وولده الأساور الحديدية ويقدمان بصحبة باقي أفراد العصابة الحاكمة إلى القضاء، أما في حالة لجوء الشرطة لأساليبها الدموية المعهودة في قمع الثورة الشعبية المرتقبة فقد يترتب على هذا نزول الجيش للسيطرة على الشارع وفرض النظام وهو ما يعني بالضرورة سقوط دولة مبارك على يد الجيش المصري، وسواء تم هذا السيناريو أو ذاك فالمحصلة واحدة وهي سقوط نظام أسرة مبارك، اما في حالة نجاح تمرير مشروع التوريث فإنه سينتج كوارث لا حصر لها حتى وإن وٌئدت مؤقتا مقاومة المواطنين تحت ضغط القهر والاعتقالات، وأهم الكوارث المترتبة هي ضياع مصر وخضوعها للإبن وفريقه المعاون من رجال الأعمال الفاسدين الذين يتصرّفون وكأن مصر إقطاعية يتقاسمون شعبها وثرواتها، وسيستمرون في ممارسة أساليبهم المعتادة في شفط ونهب موارد الدولة بعد أن يقننوا تعاونهم على النهب الفوضوي مع رجال أعمال من امثال أحمد عز وممدوح إسماعيل وهشام طلعت مصطفى وغيرهم من معدومي الشرف والضمير والوطنية، والنتائج الكارثية المترتبة على هكذا ممارسات هي تصدع وتهدم بنيان الدولة المصرية من اساسه مع إحتمال تقسيمها إلى عدة دويلات صغيرة وهو ما يصب في مصلحة العدو الصهيوني القابع على حدودنا الشرقية، والمتابع للحملات الإعلامية اللتي تدور هذه الأيام في الصحف والفضائيات والإنترنت يدرك أن النظام الحاكم منقسم على نفسه لأن هذه الحملات يتصارع فيها فريقان يؤيد أحدهما عمر سليمان بينما يؤيد الفريق المنافس جمال مبارك وهذا يعتبر بكل المقاييس محاولة خبيثة للإرتداد للخلف في معركة الديمقراطية التي تتيح للجميع فرص متكافئة للترشح للرئاسة وكأن هؤلاء لم يكتفوا ويشبعوا من عبادة الطغاة والترويج لهم، إن مصر تستحق بجدارة أن يكون بها مناخ ديمقراطي حقيقي يتيح لكافة الشخصيات التي لم تتلوث وتتدنس بالحكم و لم تفسد بالسلطة كي تتقدم للترشيح لمنصب الرئاسة وان يكون الشعب هو الفيصل والحكم في هذه الإنتخابات ومما لا شك فيه أن هناك أجهزة قوية تلعب دوراً في هذا الترويج لهذين الاثنين وأعني جمال مبارك وعمر سليمان، لكن الافضل لهذه الأجهزة هو أن تطالب الرئيس مبارك بفتح الباب على مصراعيه للنور والتنحي طواعية عن الحكم وتعديل الدستور والسماح بإجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية حرة، وبكل المعايير الموضوعية فإن مشروع التوريث في مجمله يعتبر جريمة سياسية كاملة الأوصاف والأركان ترتكب فى حق الشعب المصرى وينبغى أن يحاسب على هذه الجريمة كل من يضبط متلبسا بالمشاركة فيها وعلى كل تيارات المجتمع التكاتف للوقوف في وجه تمرير هذا المشروع الخبيث الذي سيعيد مصر قروناً للوراء، والواجب على كل القوى الشعبية والتيارات السياسية هو ترك الخلافات الأيدولوجية والشخصية جانباً والتوحد والتكتل للوقوف بحزم والتصدي لهذا المخطط الخبيث وإفشاله صيانة لمستقبل مصر دولة وشعباً، ويجب على الأحزاب السياسية أن تتخلى عن الإنصياع لإرادة النظام الحاكم وكذلك يجب على الإخوان المسلمين ان ينبذوا إسلوبهم الأزلي في الصبر على المكاره والرضاء بالأمر الواقع حيث أن هذه الممارسات لم تجر على الجميع سوى المصائب والكوارث، وهناك نقطتان رئيسيتان وعدة نقاط فرعية يجب أن يحسن إستغلالهم من قبل المعارضين لمشروع توريث الحكم، النقطة الأولى هي حالة الكره والغضب الشعبي المكبوت تجاه نظام مبارك وأسرته، والثانية هي أن الجيش لا يدين بالولاء لشخص من خارج المؤسسة العسكرية وأن جمال وجه غير مقبول لدى قادة المؤسسة العسكرية بكافة أفرعها، وعلى مستوى النقاط الفرعية فهي على التوالي 1ـ حالة الإنقسام والتوتر الخفي بين قيادات الداخلية، 2ـ رغبة قوية لدى مجندي الأمن المركزي في التمرد على أوامر قمع وسحل المواطنين، 3ـ توتر مبارك الأب وتردده في تمرير مشروع التوريث، 4ـ معارضة كبار مساعدي الرئيس لتولية جمال مبارك بإعتباره شاب أرعن ومتكبر ومتعالي ويتعامل معهم بإعتبارهم عبيده وهو ما ساهم في تنامي مشاعر الكراهية له داخل جنبات الأجهزة السيادية العليا، مع الأخذ بالإعتبار بأنه سيترتب على جلوس جمال مبارك مكان أبيه تكريساً لتفتيت وتمزيق الدولة المصرية وهو ما يعتبر تطبيقا للوحدة العربية من منظور القادة العرب الموالين لإسرائيل بمعنى أن يشعر المواطن العربي بالوحدة والإغتراب في الوطن العربي بصفة عامة وفي وطنه بصفة خاصة، الرهان الوحيد الذي لا نملك التأكيد عليه هو الشعب المصري الذي لا نعرف طريقة معينه لإستثارة حميته وتحفيزه للثورة على التوريث بيد أن قيادات تحالف المعارضين للتوريث بإمكانهم أن يجربوا مع الشعب كل الطرق والكباري لإيقاظه وتشجيعه على النهوض من سباته العميق وخوفه الدفين من التعرض للأذى والسجن وربما كان من الأجدى تشجيع المواطنين بإستخدام الكوبلية الغنائي الذي كتبه صلاح جاهين في أبريت الليلة الكبيرة وهو الكوبلية الذي يقول فيه "ياعريس ياصغير علقة تفوت ولا حد يموت، لابس ومغير وهتشرب مرقة كتكوت"
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

هناك 8 تعليقات:

  1. لا أدري ياسيدي لم أنت منزعج من التوريث ولم ناقم على الملك وآله. إن شعبنا في الحقيقة لن يثور لأنه كما قال المثل العربي القديم ( الذل بالحراث والمهانة بالبقر)ونحن كما تعلم دولة زراعية منذ الأزل والفلاح بطبيعته التي تقوم على الحساب والدقة والنظام حريص وجبان يؤثر السلامة حتى لا ينهدم نظامه الذي بناه بحبات العرق. لذا تراه على مدى العصور مستعبدا وهو دائما يخضع للمبدأ الفرعوني الذي مازال سائرا ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) وهو بطبيعته ينقاد ولا يقود انظر إلى الانتصارات الحقيقة - لا الزائفة - التي حققها على مر التاريخ تجد أن قادتها في الغالب الأعم لم يكونوا مصريين فكيف يثورون إذن ؟وما الذي يدعوهم إلى الثورة لقد قال من قبل موشى ديان: (( هزمت مصر في 67 وانا على أتم الاستعداد أن أهزمها مرة ثانية وثالثة فإن الشعب المصري يفطر فولا ويتغدى كرة ويتعشى أم كلثوم ) صدق وهو كذوب . المصري دائما خاضع لمبدأ العبودية فالفهم السائد لدى سائر الشعب عن الوطن أن البلد ليست بلده بل بلدهم هم فليفعل الحكام بها ما يشاؤون . ويكفى أن توزع على كل فرد حمسة جنيهات أو وجبة فول أو خمسة أرغفة حتى ينتخب لك إبليس رئيسا . قضية شعبنا الحقيقة أنه أمي وبلا وعي فمتى تحقق الوعي تغير جلده فالوعي الوعي ثم الوعي شكرا لك

    ردحذف
  2. القضية ياسيد حسام ليست في هؤلاء ولا العيب فيهم العيب فينا نحن. الإرادة مفتقدة والنفوس تكلست الخوف مسيطر والجوع بلد الأحاسيس لكن مع ذلك لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس والأمل في مصر وشعبها كبير إن المصري يسكت طويلا عن الضيم حتى تظن أنه قد مات فإذا به يهب فجأة ويخسف بمن أذاقوه الويلات ويعيد الأمور إلى نصابها بوست جميل هنيئا لك

    ردحذف
  3. الكحيان
    أنا بحاول أعمل كده وما أكتبه هو لتوعية الناس بقدر المستطاع وأديني بعمل اللي عليا وانت اعمل اللي عليك وإن شاء الله هو القادر على تغيير شعبنا
    عجبني كلام موشي ديان الراجل فعلا كان عارف وفاهم شعبنا كويس وربنا ينجينا من الفول وتأثيره على العقول
    تقبل تحياتي

    ردحذف
  4. حسام بك
    تحياتى
    انت والححيان مش ح تجيبوها البر
    انا موافق على كل اللى بتقوله
    بس يا سيدى انا جبان وخواف وبخاف من خيالى
    سلاموا عليكم

    ردحذف
  5. يقظان
    نعم العيب فينا وفيهم أيضاً وربنا يعيننا على ما بلانا به من حكام فاسدين
    أشكرك على دخولك مدونتي وتقبل تحياتي

    ردحذف
  6. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كلامك عجبنى جدا
    ولا تتخيل انى لسة كنت كتبه قصقوصة كدة عن نفس القصة
    فيلم التوريث
    انا لست هنا بصدد تأييد أو استنكار وجود جمال مبارك على سدة الحكم
    ولكنى اتعجب لماذا لم يستطع ان يصل جمال مبارك الى قلوب الشعب العريضة وينفذ اليهم رغم كل محاولاته اثناء فترة وجوده بالحزب الوطنى الديمووووو .. لمدة تكثر عن 7 سنوات ؟؟
    تقبل تحباتى
    :)

    (ملكة بحجابى )

    ردحذف
  7. فشكول باشا
    يا عم إنت لا جبان ولا خواف بالعكس وجودك هنا هو شجاعة
    قل لن بصيبنا إلا ما كتب الله لنا
    تقبل تحياتي

    ردحذف
  8. ملكة بحجابي
    قرأت التدوينة بتاعتك وعلقت عليها
    المهم مشكلة جمال مبارك انه نازل على كرسي الحكم بالباراشوت واحد عمره ما ركب اتوبيس ولا ميكروباص واحد عمره ما وقف في طابور العيش واحد عمره ما راحت السجل المدني يطلع بطاقة الرقم القومي ولا راح المرور يجدد رخصة العربية ولا حتى رخصة قيادته واحد ما إتقفش قدام مدرسة الثانوية بنات وخدوه عالقسم يتعمل له محضر معاكسة انثي، واحد مولود وفي بقه مغرفة دهب واحد مش معلقة واحد متعجرف ويتعامل مع كل من حوله على اساس انهم عبيده واحد دارس ادارة اعمال ومامته مرضعاه صناعي واحد زي ده إزاي يحكم بلد بحجم مصر
    وبعدين احنا جمهورية ومصر مش عزبة لعائلة مبارك وشعبها مش عبيد للأسرة دي، احنا احرار من حقنا نختار من يحكمنا لا من ينزل علينا بالباراشوت وتقبلي تحياتي

    ردحذف

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...