النوايا الإسرائيلية الحسنة تجاه إيران

على غرار حكاية الدبة التي قتلت صاحبها إرتكبت صحيفة هاآرتز الإسرائيلية خطأً قاتلاً في إفتتاحيتها أمس بتاريخ 22 يونيو 2009، الإفتتاحية جاءت بعنوان الوقوف مع شعب إيران، في البداية سردت الإفتتاحية بعض الحقائق عن الثورة الإيرانية التي حدثت منذ ثلاثون عاماً بقيادة أية الله الخميني وإسقاط نظام الشاه السابق الموالي لإسرائيل، ثم إتخذت الإفتتاحية منحى جديد بالتركيز على شخصية حسين موسوي وشبهته بزعماء إصلاحيين عالميين سابقين قاموا بتغيير وتفكيك أنظمة حكم فاشية وتحويلها لأنظمة ديمقراطية مثل ميخائيل جورباتشوف وفريديرك دي كليرك في إسقاط مفضوح ومحاوله خبيثة لتشبيه نظام الحكم الإيراني الثيوقراطي الديمقراطي بأنظمة حكم قمعية فاشية، الجدير بالذكر أن نظام الحكم في إيران بالغ التعقيد والتشابك ويعتبر تجربة فريدة من نوعها لم يسبق أن طبقت في أي دولة من قبل حيث على الرغم من أن النظام يعتمد على الشريعة الإسلامية وعلى مبدأ ولاية الفقيه المثير للجدل إلا إن كثير من المناصب التنفيذية يتم شغلها بالإنتخاب المباشر وعلى رأسها منصب رئيس الجمهورية وهو منصب له صلاحيات واسعه، ثم بعد ذلك طالبت الإفتتاحية الحكومة الإسرائيلية بالتوقف جانباً وإنتظار ما ستسفر عنه نتيجة تظاهرات سكان طهران وهي تأمل بأن ينتصر الشعب على الطغاة من وجهة نظرها، الشعور العام الذي يتبادر لذهن كل من يقرأ الإفتتاحية هو إن كاتبها متحامل على نجاد الرئيس المنتخب وعلى المرشد الإيراني على خامنئي وخطهما الراسخ في إستكمال مشروع إيران النووي وعلى تحدي الصلف الأمريكي بعناد وهو في رأي الشخصي المتواضع شئ يحسب لهما لا عليهما، على جانب آخر وفي تصرف يعطي الكثير من الدلالات على مدى تأييد الإسرائيليين للمرشح حسين موسوي فإن وزير الشئون الإستراتيجية الإسرائيلي موشيه يعلون كان قد صرح منذ أيام خلال ندوة "سبت الثقافة" في مستوطنة "موديعين" شمال القدس أن موجة التظاهرات والإحتجاجات التي كانت تحدث في شمال طهران أثناء إنعقاد الندوة سوف تودي إلى ثورة على النظام الإسلامي الإيراني وقد أذاعت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات على لسان موشيه يعلون خلال الندوة (لقد قلت منذ أن كنت رئيساً لشعبة الإستخبارات العسكرية ولازلت أقول اليوم أيضاً ان 79% من الإيرانيين يعارضون نظام آيات الله، ومن وجهة نظري فإن حسين موسوي وزوجته قد أثاروا رياح الإنفتاح على الغرب داخل نفوس الشباب الإيراني، لذلك فإني أكرر القول بأنه ستحدث ثورة في إيران)، الحقيقة المؤلمة التي يعلمها جيداً موشيه يعلون وكل الإسرائليين أن 85% ممن يحق لهم الإنتخاب أو حوالي تسعة وثلاثون مليون ناخب إيراني خرجوا من منازلهم يوم الإنتخابات وتوجهوا للإدلاء بأصواتهم وقد إضطرت السلطات الإيرانية لتمديد الوقت المخصص للتصويت في الإنتخابات الرئاسية لمدة ثلاث ساعات وذلك بسبب كثافة الإقبال الجماهيري كما إن رؤساء اللجان الإنتخابية سمحوا لكل الناخبين المتواجدين بهذه اللجان بالتصويت حتى إن بعض اللجان إستمرت بالعمل حتى الثانية بعد منتصف ليلة الإنتخابات وهو ما يؤكد على مصداقية النظام الإيراني، ويعتبر الإقبال الجماهيري للشعب الإيراني على الإنتخابات الرئاسية بمثابة ظاهرة نادرة الحدوث بنسبة إقبال تكاد تتساوى مع أكبر وأعرق الدول الديمقراطية كفرنسا وإنجلترا وكان حوالي 62.6% من هؤلاء الناخبين أعطوا أصواتهم لنجاد تقريباً 22 مليون صوت لنجاد بينما صوت حوالي 12 مليون ناخب لصالح المرشح المنافس حسين موسوي بنسبة تقدر ب 33.75% وهذا يؤكد عدة حقائق لابد من رصدها، الحقيقة الأولى أن الشعب الإيراني يتميز بالحيوية السياسية على عكس الشعوب المحبطة داخل اغلب الدول العربية، الحقيقة الثانية أن نجاد وأيضاً نظام الثورة الإسلامية حظوا بتأييد ثلثي الناخبين الإيرانيين بينما الثلث الباقي ذهب لموسوي ومؤيدي الإنفتاح على الغرب والإعتدال (بمعنى وقف دعم القضية الفلسطينية والرضوخ للضغوط الأمريكية ووقف المشروع النووي الإيراني وهو ما يمثل عملية تقليم أظافر للدولة الإيرانية) علماً بأن أحلام موسوي في رفع العزلة عن إيران لم تكن لتجدي نفعاً خاصة وأن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي على الرغم من تواصله مع الدول الغربية ولم تكن إيران في حينها تمثل تهديداً نووياً جدياً وعلى الرغم من إنفتاح خاتمي على الغرب وعلى الرغم من تمتعه بإحترام وتقدير الغربيين نظراً لثقافته الشديدة وشخصيته الطموحة ومع ذلك لم ينجح في رفع العزلة عن إيران ولم ينجح في رفع الحصار الأمريكي على إيران على الرغم من نجاحه في الفوز ببعض الهدايا والدروع التذكارية من الدول الغربية، ومن البديهي إن أمريكا والدول الغربية وربيبتهم إسرائيل لن يهدأ لهم بال إلا إذا قضوا على الدولة الإيرانية ونظامها السياسي الوطني المستقل الذي يمثل شوكة كبيرة في ظهور القوى الإمبريالية التي تود القضاء على كل المعارضين لمشروعها الكوني بداية من كوريا الشمالية ومروراً بشافيز وكاسترو وإنتهاء بالجمهورية الإيرانية، ونعود إلى موشيه يعلون الذي شغل أيضاً من قبل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وكان وقد أضاف خلال الندوة (لا يمكن إخفاء الطاقة الموجودة الآن، وبحسب تقديري فإن النظام الإيراني سيكون مضطراً لأخذ ذلك بعين الإعتبار) وتابع بعد ذلك قائلاً (أنا أؤيد توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التعاون مع الجهات البراجماتية في إيران) وقد قدم موشيه يعلون نصائح للرئيس أوباما قائلاً (يجب ان لا يجري الحوار الأمريكي الإيراني على حساب إسرائيل، وإذا لم تكن معك العصا في الحوار فلن تكون النتائج أبداً في صالحنا) ، هنا تتضح لنا النوايا الإسرائيلية الحسنة، وعلى جانب آخر ومن باب الإعتراف بالحق فإنه يجب أن نثمن ونقدر ونحترم إصرار مؤيدي حسين موسوي على إستخدام حقهم المشروع في الإحتجاج والتظاهر الرافض لتزوير الإنتخابات بناءً على دعاوي موسوي وأتباعه الغير مقتنعين بالهزيمة مما دفع قطاعات من شباب طهران وسكان المناطق الراقية في شمال طهران وأعداد كبيرة من المثقفين لتحدي قرار قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي والخروج للشوارع إحتجاجاً وتعبيراً عن رفضهم لنتائج الإنتخابات التي يظنون أنها تعرضت للتزوير وقد سقط العديد من الشهداء أثناء هذه المظاهرات ومنهم الشابة الإيرانية ندى التي لم يتعد عمرها ال 26 عاماً والتي أصبحت بمثابة رمز معاصر للكثيرين ومنهم كاتب هذا المقال حيث أعتبرها نموذج مثالي للمواطن الحر الرافض للقمع والديكتاتورية رغم تحفظي على مزاعم الإصلاحيين بتزوير نتيجة الإنتخابات الرئاسية الإيرانية، الشعب الإيراني الذي قدم العديد من شهداء الحرية في هذه المظاهرات تمكن من أن يثبت لنفسه وللدنيا أنه بالفعل يستحق أن يعامل بكل تقدير وإحترام بإعتباره لا يقل تحضراً عن مواطني دول العالم المتقدم على عكس سكان ومواطني الدول العربية المستسلمين دائماً وأبداً لحكامهم الفائزين دوماً بالأربعة تسعات الشهيرة وأعني 99’99%، أما النظام الإيراني فعلى الرغم من وضوح سوء نواياً بعض مؤيدي الإصلاحيين ودوافعهم في تمزيق وحدة المجتمع الإيراني إلا إن قائد الثورة الإسلامية على خامنئي وافق بالأمس على تمديد فترة تلقي الشكاوي والطعونات على نتائج الإنتخابات الرئاسية بناء على طلب مقدم من أمين مجلس صيانة الدستور وهو ما يؤكد على حرص النظام الإيراني على مشاعر ثلث الناخبين المؤيدين لموسوي على الرغم من أن جماهيرية وشعبية الرئيس نجاد ليست محل شك وفوزه حقيقة واضحة وضوح الشمس، وهذا هو الفارق بين نظام تسخر منه أجهزة إعلامنا وصحفنا ويطلقون عليه إسم نظام الملالي وبين نظام حكمنا الديمقراطي في مصر بزعامة مبارك الذي يضرب بالجماهير وبرغباتهم عرض الحائط والسقف
حسام السعيد عامر

Share شارك المقال مع أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...