باب الخمارة منين

ولو إني مش عالم إجتماع، ولا في نيتي أبقا عالم في أي مجال في أي زمان وفي أي مكان، لكن أقدر أقولك بمنتهى الجرأة إن مجتمعنا المصري هو أعجب مجتمعات الدنيا على الإطلاق، طبعاً مش مصدقني وعايز ترد علي وتقوللي: ياسلام ياخويا قال أعجب مجتمعات الدنيا قال.
طيب فكك من الحمقة والقمصة اللي عالفاضي دي، وعايزك تركز معايا كده وإنت هتعرف إن كلامي مظبوط، لكن إنت بس اللي كان بيتهيألك إن القرد في عينك شكله غزال، عايزك تضرب بعينك معايا كده على الظواهر الجديدة اللي بدأت تنتشر داخل مجتمعنا المصري بسرعة تفوق سرعة إنتشار النار في الهشيم، وسرعة إنخفاض قيمة الجنية اللي مبقاش يسوى مليم
خد عندك على سبيل المثال لا الحصر ظاهرة الكسل الإدماني الكلياماني، ودي بتلاقيها واضحة قوي عند الصنايعية والحرفيين بصفة خاصة، تلاقي الواحد من دول عايز يستغفل الزبون ويبالغ في أتعابه ومصنعيته في أي شغلانه تقع تحت ضرسة، ومفيش مانع من غش وخداع الزبون للحصول على أكبر قدر من السبيج.
وبعد مايخلص الشغلانة ويبقا معاه ميتين تلميت زئرود (جنية) قوم يعمل إيه، قوم يريح الكاليامانه (المقعدة لا مؤاخذة)، وينام أربعتاشر على الفلوس اللي معاه، ويرفض ينزل شغلانه جديدة، لحد ما الفلوس تطير بألف سلامة مغادرة جيوبه، ساعتها بس الكسلان ينزل الشغل وهو مضروب ألف جزمة، وطبعا بيدور على مغفل تاني يستغفله، ويهبش منه بريزتين تانيين يرجع ينام عليهم أربعتاشر تاني، وهكذا دواليك في دائرة لا تنتهي.
عندك كمان ظاهرة جديدة "آخر حاجة" لسه بتشق طريقها في المجتمع المصري، وشكلها هتنجح جداً في التفرد بكونها لا تمارس إلا في مصر فقط لا غير، ألا وهي ظاهرة تأجير شبكة العروسة الذهبية.
يعني مثلاً العريس إمكانياته المادية على ماتفرج زي غالبية الشعب المصري اللي بيعيش تحت خط الإستوا بعد ما إستوى من الفقر والغلب والظلم والجهل، وبالتأكيد واحد عايش تحت خط الإستوا مستحيل يقدر يشتري شبكة للعروسة بعد ما جرام الدهب بقا سعره أكثر من المرتب الشهري لخريج جامعة حديث التعيين، ويادوب العريس زيه زي الشاطر ( ي ي ي ا ب ) يعني بالعربي ( يادوب يقدر يجيب العفش بالتقسيط ) مش لوحده طبعاً إنما بمساعدة أهل العروسة، وعشان سعر الذهب اللي خلى عقل الناس ذهب، يقوم يتفق أبو العروسة مع العريس على إنهم ليلة الفرح يأجروا شبكة من أي محل صائغ، وغالباً بيكون من معارفهم أو جيرانهم لأن مش أي جواهرجي حتى لو كان عم أيوب الجواحرجي شخصياً هيوافق على تأجير الشبكة الذهبية.
بالطبع الجواهرجية ناصحين وخايفين من التعرض لعملية نصب وإحتيال، العجيبة إن ثمن تأجير الشبكة بيتراوح من تلتميت إلى سبعميت جنية في بعض الأحيان، ويمكن أكتر حسب كمية الدهب اللي تاجر الدهب هيأجرها للعروسة المتأنزحة بشعر بنت أختها.
دهب متأجر، ومظهرة كدابة بكل المقاييس والموازين والأحجام والأطوال والأعراض، وكمان بالورب، وطبعاً تاجر الذهب بيبعت حارس أو إتنين لمراقبة وحماية مصوغاته، وأهو منها يتعشوا عشوة مجانية متينة على حساب أحفاد بني أنزوح المتأنزح، وفي آخر السهرة يسترجعوا الشبكة من العروسة بمجرد إنتهاء مراسم الفرح من زفة وتصوير وخلافة.
اللي ساعد على سرعة إنتشار هذه الظاهرة العجيبة عدة أسباب، أولها وأهمهما الإرتفاع الجنوني في أسعار الذهب اللي طبعاً سببه إنعدام قيمة الجنية المتهزء دائماً وأبداً أمام كل عملة أو حتى سلعة، والسبب الثاني هو الرغبة في التظاهر والفشخرة الكاذبة، غالبا من أهل العروسة، أوأحياناً أهل العروسة والعريس معاً.
وللحقيقة يحار أصحاب العقول في التوصل للسبب الرئيسي وراء هذه الظواهر الغريبة العجيبة المريبة، ربما يكون السبب هو أن مجتمعنا يرفض أن يتعامل بواقعية مع أزماته، ويرفض أن يبذل أي مجهود مهما كان بسيط لحل مشاكله، ويلجأ إلى حلول تعتمد على الغش والخداع للذات وللغير على حد سواء.
أو ربما يكون السبب هو أن الأزمة الإقتصادية التي نعيش فيها منذ فجر التاريخ وأي تاريخ - منهم لله اللي بيسرقونا عمال على بطال على مدار التاريخ والجغرافيا وحساب المثلثات- قد تكون أثرت كثيراً على سلوكياتنا الإجتماعية، ودفعت أفراد مجتمعنا إلى إستخدام أساليب ملتوية لممارسة التجمل والكذب والكسل والخمول في نفس الوقت ببجاحة يحسدنا عليها القاصي والداني.
بينما واقع الحال والسبب الرئيسي لتلك الخيبة، هو ما ورد في المثل المصري العريق أننا شعب عريان التيز وبيحب التأميز ويقول باب الخمارة منين.
حسام عامر
10/10/2008



Share شارك المقال مع أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...