عريان باشا ملط - بقلم حسام السعيد عامر

كان ياما كان في سالف العصر والأوان كان فيه مملكة كبيرة بيحكمها قاطع طريق سابق إسمه الملك مصيلحي، وكان بيستعين بشوية جرابيع وأفاقين من كل شكل ولون.
فمثلاً الوزير خطفور كان حرامي فراخ قديم تاب عن السرقة بعد ما بقى وزير، أما قائد العسس دغشم عادل دغشم، فكان مساعد الملك أيام ما كان بيشتغل قاطع طريق، وكان هو الوحيد من رجالة الملك قاطع الطريق اللي بيتلذذ بتعذيب وقتل ضحاياه بدم بارد يحسده عليه أي لوح تلج، طبعاً بعد ما يسرقهم بالإكراه، أما مفتي الملك الشيخ طنجراوي باشا ملط، فكان بيشتغل شحات ثم إعتزل مهنة الشحاته بعدما أصبح مفتي الملك.

عريان باشا ملط - بقلم حسام السعيد عامر ....................................

كانت مهمة الشيخ طنجراوي مفتي المملكة لا تقل في أهميتها عن مهمة الوزير أو قائد العسس، فالثلاثة كانوا بمثابة رؤساء أركان حكم الملك مصيلحي الدغف، وفي يوم جمعة ساعة صلاة الجمعة، داخل المسجد الأزعر أكبر مساجد المملكة، كان الشيخ طنجراوي باشا ملط واقف بيخطب خطبة الجمعة، ويحث المواطنين المؤمنين من سكان مملكة سبهلله، ان يتكاتفو كرجل واحد خلف ملكهم، وقائدهم المؤمن الملك مصيلحي الدغف.
وأفتى الشيخ بأن من يتظاهر في الميادين، أو يعتصم مضرباً عن العمل مطالباً بأجر يكفي ليسد به جوعه، وجوع أبنائه هو خارج عن الجماعة، ومخالفاً لشرع الله، لأن حسب مزاعم الشيخ ملط ان الرسول نهانا عن الفتنة ونهانا عن شق الصف، لما فيهما من فساد لا تحمد عقباه، وفجأة ودون مقدمات سقطت عدة كتل خشبية كبيرة من سقف المسجد فوق المنبر الذي كان يقف عليه الشيخ طنجراوي.
وتهدم المنبر وصاح المصلون الجالسون داخل المسجد .. الله أكبر .. وقال بعضهم .. لقد عاقب الله الشيخ طنجراوي باشا ملط على تدليسه .. أسرع المصلون لرفع الأنقاض من فوق جسد الشيخ طنجراوي، وكانت إحدى الكتل الخشبية ثقيلة جداً ومشتبكة مع خشب المنبر بحيث يجب هدم الحائط الذي يجاور المنبر لكي يتم رفع هذه الكتلة الضخمة.
وببعض الجهد تمكن المصلون من زحزحة الكتلة قليلاً لأعلى، ونجحوا في سحب جسد الشيخ طنجراوي من تحت كتلة الخشب بمساعدة رجال العسس السريين الذين كانوا حاضرين في المسجد، وأثناء سحب الشيخ طنجراوي الذي كان يبسمل ويحوقل تمزق جلباب الشيخ، وإشتبك مع شظايا كتل الخشب وظهر للناس أن الشيخ لم يكن يرتدي تحت الجلباب أي ملابس أخرى.
أخيراً تمكن العسس والمصلون من إنقاذ الشيخ طنجراوي، لكن للأسف لم يتمكنوا من إنقاذ جلباب الشيخ الذي وقف داخل المسجد عارياً كيوم ولدته أمه، يضع إحدى يديه على فرجه ليستر نفسه، ونظرا لأن الشيخ طنجراوي كانت يده اليسرى مقطوعة إستدراراً لشفقة الناس ولكي ينال مساعدتهم من أيام كان يمتهن الشحاتة، لذلك لم يستطع ستر مؤخرته.
أخرج أحد العسس من جيبه منديلاً، ووضعة على مؤخرة الشيخ بيده، تهامس الناس فيما بينهم .. المفتي بدون لباس داخلي .. لم يعود المفتي إلى منزله مجهداً محطم الضلوع فقط بل عاد وسيرته على لسان كل مواطن، ومفضوحاً فضيحة المتطاهر يوم طلوعه عالمعاش.
ومع إزدياد الهمز واللمز بين الناس بأن المفتي يمشي بدون لباس، إزدادت حالة المفتي النفسية سوءاً حتى أصبح يكره الخروج من منزله، والذهاب إلى عمله في قصر الملك مصيلحي، ولما سأل الملك عن سبب غياب المفتي المتواصل نقل له قائد العسس تفاصيل ما حدث في المسجد، وما بعد ذلك من تهامس الناس وتلامزهم على المفتى، أمر الملك بإحضار المفتى فوراً من منزله، وأصدر قرار بقتل كل من يتكلم عن لباس المفتي، وعندما علم المفتي بما فعله الملك أصابه سرور ما بعده سرور، وعاد إلى عمله في قصر الملك.
لكن للأسف لم يتوقف الناس عن التغامز على المفتي بكل طريقة ممكنة، فقد إفتتح مواطن دكاناً لتجارة الأقمشة ووضع عليه لافتة مكتوب عليها منسوجات لكل عريان، مواطن آخر يعمل إسكافي وضع فوق دكانه لافتة مكتوب عليها نعال العريان، مواطن آخر يدير خان لتناول المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة والينسون والقرفة وضع على دكانه لافتة مكتوب عليها خان عريان للقهوة والدخان، طبيب إفتتح مشفى كتب عليه بيمارستان العريان.
أما ما زاد الطين بله هو قيام أشهر قواد في المملكة واسمه الشريف صافي بإفتتاح ملهى ليلي وكتب عليه لافتة تشترط على الزبائن أن يدخلو الملهى بدون لباس وأسمى الملهى (ملهى عريان باشا ملط)، وكما لو كانت أصابت البلد حمى أو طاعون يسمى عريان أصبح كل شي في المملكة يسمى عريان.
وأسقط في يد الملك مصيلحي وشاور قائد العسس والوزير فيما يفعل فقالا له إن الأمر أصبح خارج قدراتهم ويصعب السيطرة عليه لأن كل ممنوع مرغوب خاصة وأن العامة والدهماء يكرهون المفتي كرهاً شديداً ومن الأفضل ترك الأمور على ما هي عليه.
ومرت شهور عديدة جلسها المفتي في منزله يفكر في وسيلة للنجاة من هذه الورطة، ويبحث عن طريقة للخلاص من مضايقات مواطني المملكة، ولما أسقط في يده قرر أن يعتزل العمل، وأخبر الملك برغبته في الهجرة لبلد آخر بعيدا عما يحرق أعصابه، فوافق الملك مصيلحي الدغف وأمر له بمكافأة كبيرة تكفيه لكي يعيش في غنى وترف هو وأسرته.
سافر طنجراوي مع زوجته وأولاده، مغادراً مملكة سبهللة وطنه الذي نشأ وتربى وعاش فيه طوال عمره، وإستقر به المقام في مملكة أبناء العم التي تقع بجوار الحدود الشرقية الشمالية لحدود مملكة سبهلله، مرت أعوام تليها أعوام توالت فيها المصائب والخطوب على الشيخ طنجراوي باشا ملط، فقد مات إبنه الأكبر بعد تناوله جرعة كبيرة من المواد المخدرة، وإبنته إحترفت الرقص الشرقي في أحد ملاهي تل شبيب عاصمة مملكة أولاد العم، ثم تزوجت اليهودي صاحب الملهى.
بعد فترة وفي ظروف غامضة توفت ابنته الراقصة وورثها زوجها اليهودي، أما زوجة الشيخ طنجراوي التي لم تستطع التأقلم في مملكة أولاد العم لإختلاف اللغة والطباع والديانة، فقد تركت زوجها وحيداً وعادت لأهلها،مرت سنوات عديدة وهرم جسد الشيخ طنجراوي، وشعر بأن أجله قد إقترب فإزداد لديه الحنين للعودة لوطنه.
وصار كلما مر عليه يوم إزداد شوقا لرؤية وطنه، وبعد مرور واحد وثلاثون عاماً بالتمام والكمال على خروج الشيخ طنجراوي باشا ملط من وطنه، قرر أن يعود للمملكة التي خرج منها وليكن ما يكون، حزم الشيخ أمتعته وإستأجر عربة يجرها أربعة أحصنة ويقودها زنجي قوي، بعد سبع ساعات وقبل غروب الشمس بقليل إقتربت العربة من الحدود الغربية لمملكة أولاد العم.
وما أن عبرت العربة بوابة حدود مملكة أولاد العم ووقفت في طابور العربات أمام بوابة الترحيب الشرقية حتى نزل الشيخ طنجراوي ليحرك قدميه قليلاً وليتحدث مع جنود وطنه بلغته التي أوشك أن ينساها، رفع الشيخ طنجراوي بصره ليقرأ اللافتة الترحيبية فوق بوابة وطنه الشرقية وفجأة تقلص وجهه وتشنج جسده وسقط متخشباً ككتلة حجرية، دفن الشيخ طنجراوي تحت لافتة الترحيب المكتوب عليها المملكة العريانية ترحب بالسادة الضيوف، ووضع على قبره شاهد قبر كتب عليه
الشيخ طنجراوي باشا ملط الشهير بإسم ( عريان باشا ملط ) توفي عام 31 عريانية
سبق أن نشرت القصة دي سنة 2000 في منتدى قهوة كتكوت

حسام السعيد عامر


Share شارك المقال مع أصدقائك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Recent Posts

سينما

مشاركة مميزة

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟، هل نظرية المؤامرة حقيقة؟

من الذي اغتال الرئيس محمد انور السادات؟  هل نظرية المؤامرة حقيقة؟ سؤال ربما لم يخطر على بال أغلب المصريين، لأن كلنا نعلم ان من قتل السادات ه...